Author

الصندوق العقاري بين تقديم التمويل ودعمه

|
مكن صندوق التنمية العقارية مئات آلاف الأسر من اقتناء المساكن، وذلك منذ إنشائه قبل ما يزيد على أربعة عقود. ويأتي الصندوق في صدارة المؤسسات التي أفادت المواطنين بمختلف شرائحهم وفئاتهم ومناطقهم. لا يميز أسلوب القرض الحسن المقدم سابقا من الصندوق بين طالبي التمويل، وكان الشرط الأساسي للحصول على قرض هو، توافر أرض سكنية، كما أن حجمه كان ثابتا لجميع المتقدمين، بغض النظر عن دخولهم أو أعمارهم أو حجم أسرهم. لم يلجأ الصندوق طوال عمره إلى ملاحقة المتخلفين عن السداد، ولم تجر أي محاولة لبيع العقارات المرهونة له، كما تم إسقاط بعض دفعات الصندوق وكثير من استحقاقات القروض على المتوفين. ومن أكثر الأشياء أهمية للمواطنين، أنه لم يكن هناك أي جدل أو شك في شرعية القرض الحسن، وهو مقبول من جميع الناس والمفتين. تم تحويل المنتظرين طويلا للحصول على قروض حسنة من الصندوق إلى برنامج القروض المدعومة من الصندوق، لمصلحة المصارف التجارية. ويتحمل الصندوق بموجب هذه القروض تكاليف التمويل لمن يقل دخلهم عن 14 ألف ريال شهريا، بينما يتلقى من تزيد دخولهم على هذا المستوى دعما جزئيا يعتمد على حجم الأسرة ودخلها. يحاول بعض المحليين المقارنة بين هذين الأسلوبين في التمويل، وتفضيل أحدهما على الآخر. ولكن، مهما قال الباحثون، فإن أسلوب القرض الحسن يفضله المواطنون المقترضون، حيث يتميز أسلوب القرض الحسن بتكاليفه الصفرية، وفي كونه يتم بين طرفين هما المواطن والصندوق، لهذا، فإن تعقيداته الإدارية وإمكانية تعرضه لممارسات الفساد أقل، كما أن تكاليفه أقل من تكاليف التمويل المدعوم. ترتفع تكاليف التمويل المدعوم نظرا لدخول طرف ثالث وهو، المصارف التجارية، التي تريد تحقيق أرباح وخصم التكاليف الإدارية للقروض. عموما، يتحمل صندوق التنمية العقارية تكاليف تمويل القروض العقارية في كلا الأسلوبين، ولكن تكاليف القروض المدعومة بالكامل أعلى من تكاليف القروض الحسنة. أما تكاليف القروض المدعومة جزئيا، فتتوقف على مقدار الدعم، وسيقل الإقبال عليها مع انخفاض دعم الصندوق لها. وأعتقد أن تكاليف القروض المدعومة على الصندوق أعلى من تكاليف القروض الحسنة، حيث يمكن توفير موارد للقروض الحسنة من إيرادات الصندوق، أو عن طريق السندات الحكومية، التي تقل نسبة الفائدة عليها عن 3 في المائة سنويا، بينما تراوح الفوائد على القروض التجارية العقارية بين 6 في المائة و7 في المائة. من السلبيات المتوقعة للقروض المدعومة، انكشافها على مخاطر ارتفاع معدلات الفائدة، التي ستتزايد في السنوات القادمة، وترفع تكاليف هذه القروض، وقد تتسبب في توقفها. من الإيجابيات المحدودة للقروض المدعومة، أنها سترفع عدد المستفيدين من موارد الصندوق في الوقت الحالي، ولكنها ستستنفد موارد الصندوق، ما لم يقدم دعم متزايد له خلال السنوات القادمة. ومن المتوقع، أيضا، تقلص قوائم انتظار قروض الصندوق، ليس بسبب زيادة عدد القروض، فقط، ولكن لعدم رغبة كثير من المنتظرين في الاستفادة منها. تصل تكاليف دعم قرض سكني بنصف مليون ريال، حاليا، إلى نحو 30 ألف ريال في السنوات الأولى من القرض، ثم تنخفض تدريجيا مع مرور الوقت. من ناحية أخرى، تقدر إيرادات الصندوق من القروض الحسنة، حاليا، بنحو أربعة مليارات ريال في السنة. وستكون هذه المبالغ كافية لسداد تكاليف ما بين 130 و200 ألف قرض سكني، ما يعني بشكل عملي توقف القروض المدعومة بعد وصول عددها إلى هذا المستوى. إن استبدال القروض الحسنة، التي كان يقدمها الصندوق، بالقروض المدعومة، حل معضلة تمويل المساكن مؤقتا، لكنه سيحرم الصندوق من موارد تدوير قروضه، من خلال عمليات السداد بعد عدة سنوات. حاسبة القروض، في موقع الصندوق، تشير إلى أن تكاليف دعم قرض سكني لمدة 25 سنة تقارب قيمته، ويذهب هذا الدعم للمصارف، ولكن على دفعات سنوية. والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا لا يقوم الصندوق نفسه بعملية الإقراض والاستفادة من عملية التمويل، وخفض تكاليف التمويل؟ ويمكن أن يتم ذلك إذا تحول إلى مصرف متخصص للإسكان والتعمير، حيث يقوم بالعمليات المصرفية للمقترضين، ويلزمهم بفتح حسابات لديه، ويحقق بعض المكاسب التي تساعده في الاستمرار والنمو، وتوفير مزيد من الموارد لأنشطته. كما يمكنه التخصص في قطاع الإنشاء والتعمير والإسكان، ودعم نمو هذا القطاع الاقتصادي المهم، الذي يبدو أن المصارف التجارية ما زالت تعاني قصورا واضحا في النهوض به. ويحتاج القطاع إلى مصرف برأسمال ضخم لتمويل تنميته وتحمل المخاطر الكبيرة، التي قد تنشأ من تقلبات الأسعار في القطاع العقاري.
إنشرها