Author

خسارة الكفاءات الطبية بالعمل الإداري

|

طالعت خبرا صحافيا نشر في بعض الصحف وعلق عليه مهتمون بمواقع التواصل الاجتماعي مضمونه أن "مستشفى الملك فهد التخصصي بالدمام" قام بإلحاق 35 طبيبا وطبيبة بدورة تدريبية متخصصة في الأعمال الإدارية. أي أننا ببساطة سنخسر هؤلاء الأطباء الذين صرفت عليهم الدولة سنوات في أفضل الجامعات الأجنبية من أجل تأهيلهم واستقطابهم في تخصصاتهم بعد أن هيأناهم لترك العمل في تخصصاتهم النادرة واستبدالها بالعمل الإداري التقليدي. وهي واحدة من معضلات وزارة الصحة التي طالبنا مرارا بحلها.
مثل هؤلاء الأطباء هناك آلاف الفنيين والإخصائيين الذين أغرقناهم بالأعمال الإدارية وما زالت وفود وزارة الصحة التعاقدية تجوب الدول شرقا وغربا بحثا عن مثل هذه الكفاءات التي بيننا، ولا أعرف حقيقة كيف نخسر طبيبا أو فنيا في تخصص نادر ونحوله إلى إداري غارق في الأوراق والتعاميم وتفاصيل الحضور والانصراف وهي مهام تقليدية بالإمكان أن يقوم بها أي موظف جامعي آخر؟
لقد اطلعت على بعض "الهياكل" التنظيمية للمستشفيات ومديريات الشؤون الصحية ووجدتها مع الأسف تحولت إلى مقبرة للكفاءات الطبية من خلال شغلهم بالأعمال الإدارية فمدير الشؤون الصحية طبيب، والنواب والمساعدون ومديرو الأقسام أطباء، والمستشفيات كذلك، مدير المستشفى ومساعدوه ورؤساء الأقسام كلهم أطباء وبعضهم في تخصصات نادرة وما زلت مندهشا كيف غفلنا عن هذا الخلل الفادح الذي جعلنا نخسر مثل هذه الكفاءات؟ ونحن من أكثر الدول حاجة إليها، حيث تشير الإحصائيات إلى أن وزارة الصحة يعمل فيها نحو تسعة آلاف طبيب وطبيبة فقط مقارنة بـ 35 ألف طبيب غير سعودي. وهذه الأرقام تؤكد الفجوة الكبيرة للاحتياجات المستقبلية التي ستتضاعف مستقبلا إلى الضعف مع زيادة النمو السكاني وخطط التنمية التي ستتضاعف فيها أعداد المستشفيات والمراكز الصحية.
وما ينطبق على الأطباء ينطبق على الكوادر الفنية الأخرى من إخصائيي صيدلة وتمريض ومساعدي أطباء، فالإحصاءات تقول إن هناك 140 ألف ممرض وممرضة، منهم 51 ألف سعودي بينما يشكل الوافدون بقية الكادر وعددهم 89 ألف وافد. وعلى مستوى القطاع الخاص هناك 30.4 ألف ممرض وممرضة بينما لا يتجاوز عدد السعوديين 2800 ممرض وممرضة.
وما ينطبق على وزارة الصحة ينطبق على المؤسسات الصحية الأخرى التابعة للجامعات أو المؤسسات العسكرية. حيث ندرة الكفاءات الوطنية المتخصصة مقارنة بالوافدين، ويتكرر لديهم الخطأ نفسه بتفريغ الكفاءات الطبية وشغلها بالأعمال الإدارية على حساب حاجتنا إليهم في تخصصاتهم النادرة.
إن الكفاءات الطبية ثروة وطنية عظيمة خسرت الدولة من أجلها كثيرا ليكونوا في خدمة وطنهم ومجتمعهم وليس من الحكمة خسارتهم بسبب ثقافة تنظيمية خاطئة. وآن لوزارة الصحة تغيير هذه الثقافة السائدة بما يضمن استقطاب الكفاءات الإدارية للعمل الإداري فقط وإعادة كل طبيب وإخصائي لعمله الأساس.

إنشرها