Author

نزاهة عمر

|
يروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعث غلامه ليحضر له حليبا من ناقة يملكها، فجاء الغلام بالحليب. لما ذاق عمر الحليب أنكره فسأل الغلام: من أين جئت بهذا الحليب؟ قال الغلام لقد أتيت إلى ناقتك فوجدت حوارها قد شرب حليبها كله، فحلبت لك ناقة من مال الله. قال عمر: ويحك أتسقيني نارا! سأل عمر علماء وقته عن جواز أن يشرب من حليب تلك الناقة فأفتوه بجواز ذلك وأن له أن يأكل من لحمها. هذا الموقف العظيم لعمر يذكرنا دوما أن هؤلاء المصطفين لصحبة الحبيب صلى الله عليه وسلم، كانوا يستحقون هذه الصحبة، فهم يضربون الأمثلة في الورع والزهد في الدنيا والبحث عن الحلال واجتناب كل مواطن الشك التي يقع فيها أغلبنا اليوم سواء علمنا أم لم نعلم. نعيش ونحن ننسى الكم الهائل من التراث الأخلاقي الذي تركه لنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ونتبنى مصطلحات غربية وشرقية لتعريف كثير من عناصر الإنتاج والنزاهة والرقابة والشفافية والمصداقية، رغم أن هؤلاء تعلموها منا. نعيش في حال التفكك هذه وننسى أن أسلافنا الذين كانوا يعيشون الكفاف ولا تقيم لهم أي دولة من دول العالم آنذاك قيمة أو ذكرا، هم من صنعوا حضارة سيطرت على العالم خلال فترة لم تتجاوز 50 عاما. لقد سيطر هؤلاء الأبطال على أغلب ما يعرف اليوم بالعالم المتحضر ونشروا الدين وقيمه وسلوكياته وعباداته ومعاملاته في مواقع لا يمكن أن يتخيلها عقل قبل ذلك. لم تقف في وجوههم كل عناصر التثبيط أو طرق التشتيت لأنهم شربوا من المعين الأعظم، فأصبح العالم كله يتعلم منهم ويتمنى أن يصبح عضوا في الحضارة التي بنوها. عناصر كثيرة يمكن أن نتطرق لها ونحن نحاول أن نتعرف على واقعنا، وطرق الخروج من الهزيمة النفسية لاستعادة المكانة التي وكلها لنا أوائل كانوا بهذا الحجم الهائل من الثبات على الحق واستجداء رحمة رب الخلق، هذا وعمر رضي الله عنه يحكم العالم من المغرب إلى الصين يتخوف من شرب حليب ناقة هي من حقه الشرعي. فلله درك يا عمر وقبل ذلك لله در المعلم الأعظم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.
إنشرها