Author

أصول المملكة .. واستراتيجية البناء

|

تمثل الأصول الاحتياطية السعودية في الخارج أهمية كبيرة على مختلف الأصعدة. تأتي الضمانات التي توفرها للحراك الاقتصادي التنموي العام في المقدمة، فضلا عن استثمارات مختلفة هنا وهناك ترفد الاقتصاد الوطني بمزيد من العوائد، إلى جانب طبعا تعزيز مكانة السعودية الاقتصادية، خصوصا في فترة تنفيذ "رؤية المملكة 2030" وبرنامج التحول المصاحب لها. والنقطة الأخيرة تتميز هي الأخرى بأهمية أكبر، إذ إن ارتفاع الأصول الاحتياطية للمملكة يأتي حتى بعد التراجع الهائل في أسعار النفط قبل ثلاث سنوات تقريبا، مع الإشارة إلى أن هذه الأسعار بدأت ترتفع هي الأخرى ولكن ليس بالشكل الذي كانت عليه قبل الانهيار الشهير. كل هذا يجري (مثلا) مع تراجع الأصول الاحتياطية لغالبية البلدان النفطية في الأعوام القليلة الماضية.
الأصول الاحتياطية للمملكة هي في واقع الحال استثمارات مختلفة، تدفع المال الوطني للنمو بصورة مستمرة. وهذه النقطة تكتسب أهمية الآن أكثر من أي وقت مضى، لأن البناء الاقتصادي الذي يجري على أرض السعودية يعتمد في الدرجة الأولى على تنويع مصادر الدخل، وخفض الاعتماد على النفط كمصدر رئيس للدخل. وحققت المملكة تقدما لافتا في هذا المجال، على الرغم من حداثة استراتيجية البناء الاقتصادي، وتجلى هذا (مثلا) في الميزانية العامة الأخيرة، التي تضمنت ارتفاعا ملحوظا في العوائد الآتية من القطاعات غير النفطية، خصوصا تلك القطاعات المستحدثة، وتلك التي شهدت تحولات جديدة هي الأخرى كقطاع الخدمات والطاقة والضرائب وغيره، إلى جانب (طبعا) الرسوم الحكومية على معاملات كانت معفاة منها لعقود.
مع وصول الأصول الاحتياطية للمملكة في الخارج إلى أكثر من 1.8 مليار ريال في الشهر الأخير من العام الماضي، بارتفاع بلغ 0.4 في المائة، فإن العوائد المالية لها سترتفع أيضا في الفترة المقبلة، خصوصا مع ارتفاع الاستثمارات في الأوراق المالية التي استحوذت على أكثر من 66 في المائة من الأصول الاحتياطية الأجنبية للسعودية. وكما هو معروف، يشكل بند النقد الأجنبي والودائع في الخارج أكثر من 31 في المائة من إجمالي الأصول الاحتياطية الخارجية. وفي هذا الإطار، كان طبيعيا أن تشهد استثمارات السعودية في أذونات وسندات الخزانة الأمريكية ارتفاعا هي الأخرى في العام الماضي، حيث وصلت إلى 149 مليار دولار بزيادة بلغت 3.8 مليار دولار في شهر واحد فقط. وهذه الاستثمارات المشار إليها لا تشمل بالطبع استثمارات المملكة الأخرى في أوراق مالية وأصول ونقد بالعملة الأمريكية.
ستظل الأصول الاحتياطية للسعودية ركيزة أساسية لها في مرحلة البناء الاقتصادي وما بعده، كما أن لهذه الأصول مكاسب غير مالية، تختص بالعلاقات بين المملكة والدول التي تستثمر فيها أصولها. يضاف إلى ذلك بالطبع الرابط الطبيعي، الذي يربط السعودية ببلدان مجموعة العشرين التي أخذت زمام المبادرة الدولية في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية. وللمملكة أيضا استثمارات كبيرة متشعبة على الساحة الدولية، كلها تصب في سياق المسيرة الاقتصادية الراهنة، التي تستند إلى الإنفاق من أجل التنمية لا من أجل الاستهلاك، ما يبرر ارتفاع حجم الإنفاق في الميزانية العامة الأخيرة. فكل شيء يجري بحساب دقيق على الساحة السعودية، خصوصا ما يتعلق بالعوائد، التي تنظر إليها القيادة على أنها المحور الرئيس لضمان مستقبل اقتصادي زاهر على مختلف الأصعدة، ولا سيما الصعيد الاجتماعي.

إنشرها