Author

ميزانية الخروج .. من هيمنة النفط!

|
نستطيع القول، إن من أبرز ملامح ميزانية الدولة للعام المالي 2018 أنها حررت إيرادات الدولة من النفط حتى بلغت نسبة مساهمة النفط في الميزانية 50 في المائة بعد كانت نسبتها طوال العقود الماضية أكثر من 90 في المائة. وكذلك تتميز الميزانية التي قدمها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى الشعب السعودي الكريم يوم الثلاثاء 19 كانون الأول (ديسمبر) 2017 بمشاركة الصناديق التنموية وصناديق الاستثمارات العامة في الإنفاق الرأسمالي والاستثماري، وأيضا من أبرز مزايا الميزانية زيادة الإنفاق الرأسمالي بنسبة 13 في المائة، ورفع مستوى الإنفاق على الخدمات الأساسية للمواطنين مع زيادة دعم برامج الإسكان وتوليد الوظائف لمواجهة أخطبوط البطالة، وأشار حفظه الله إلى أن الميزانية تستهدف خفض العجز في الميزانية إلى 8 في المائة، وهي نسبة تساعد على تحقيق التوازن في المستقبل القريب. ومع أهمية كل هذه المزايا إلا أن أهم ما تميزت به الميزانية هو أنها نجحت في تنويع الموارد وتحرير ميزانية الدولة من هيمنة النفط كمورد كان يستحوذ على 90 في المائة من الإيرادات. بمعنى آخر تحررت الميزانية من المورد الوحيد، وهي ـ بكل المقاييس ـ نسبة تخفيض عالية جدا في فترة زمنية بسيطة جدا، ولذلك فإن الميزانية تقدم مؤشرات إيجابية للمستقبل بحيث يمكننا أن نتوقع مزيدا من التقليص لمساهمة النفط في إيرادات ميزانيات الدولة في الأعوام المقبلة. ومع ذلك يعد برنامج الإنفاق الحكومي هو الأكبر في تاريخ المملكة، حيث اعتمدت الميزانية مبلغ 978 مليار ريال، وهو مبلغ يفوق كل برامج الإنفاق الحكومي السابقة. وبقراءة متأنية في ميزانية الدولة للعام 2018 فإننا نستطيع أن نقول، إن "رؤية السعودية 2030" بدأت تؤتي ثمارها، وتقدم مؤشراتها الناجحة الهادفة إلى تنويع مصادر الدخل الوطني، وعدم الاعتماد على المورد الأوحد. ونظرا لأننا في فترة انتقالية فإن وزير المالية كان موضوعيا حينما قال، إن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي خلال عام 2018 المتوقع هو 2,7 في المائة مبينا أنه سيتم تنفيذ عدد من التدابير الهادفة إلى تنشيط أداء الاقتصاد خلال عام 2018 بمجموعة من حزم التحفيز للاستثمار، وتخصيص مبالغ أكبر لعدد من القطاعات ذات الأهمية الكبرى للمواطن مثل الإسكان والتعليم والصحة والنقل والكهرباء والمياه، وكذلك وعد الوزير بمواصلة جهود تشجيع وتيسير إجراءات الاستثمار، وتحسين مستوى الخدمات الحكومية، وتنفيذ المشاريع في قطاعات التشييد والبناء والسياحة والثقافة والترفيه، إضافة إلى تنفيذ برامج للخصخصة التي من المتوقع أن تتيح فرصا جديدة لنمو الاستثمار الخاص، وتوليد مزيد من فرص العمل، والعمل على تطوير إطار ونظام الشراكة بين القطاعين العام والخاص، مشيرا إلى أن الحكومة ستواصل تنفيذ عدد من المبادرات للحد من الآثار السلبية لبرامج الإصلاح الاقتصادي على المواطنين. وفي هذا الإطار تراهن وزارة المالية أن الميزانية سوف تحقق خفضا في العجز يصل إلى أكثر من 7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي مقابل عجز متوقع بنحو 8,9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في العام الماضي 2017، كذلك يقدر وزير المالية زيادة في إجمالي الإيرادات يصل إلى نحو 12 و6 في المائة مقارنة بالعام الماضي، كذلك تقدر الوزارة أن ترتفع الإيرادات غير النفطية بنحو 14 في المائة، وستلعب مجالات مثل الترفيه والسياحة والأخذ بأسباب اقتصاد المعرفة دورا مهما في زيادة الإيرادات غير النفطية. ونلاحظ أن ميزانية 2018 تركز على الإنفاق الرأسمالي التوسعي، كما تركز على برامج الإصلاح الاقتصادي. ولا شك أن هذه السياسات مع زيادة الإنفاق الحكومي الرأسمالي سوف يسهم في ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي الحقيقي مع انخفاض معدل البطالة بين السعوديين والسعوديات مقارنة بالعام السابق. ولقد وجه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في معرض كلمته الضافية وهو يصادق على ميزانية الدولة للعام المالي 2018 جميع الوزراء وجميع المسؤولين برفع مستوى الأداء والعمل على تطوير الخدمات الحكومية وتعزيز كفاءة الإنفاق والشفافية بما يرتقي إلى التطلعات ويحوز رضا المواطنين والمواطنات ويعكس الأهداف المرجوة ما تم تخصيصه من مبالغ وأرقام في الميزانية، وأكد حفظه الله على محاربة الفساد بكل أشكاله حتى يحافظ الجميع على المال العام وصرفه لصالح المشاريع والبرامج المعتمدة لصالح كل فئات الشعب السعودي. وقال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان في نهاية كلمته التي قدم فيها ميزانية 2018 إلى الشعب السعودي، لقد وضعت نصب عيني مواصلة العمل نحو التنمية الشاملة والمتوازنة في جميع مناطق المملكة لا فرق بين منطقة وأخرى، ثم حمد أيده الله، الله سبحانه وتعالى على نعمة الأمن والاستقرار وتعهد بمواصلة حكومته الرشيدة لمسيرة النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة الشاملة.
إنشرها