Author

الضرورة القصوى لتوطين المكاتب العقارية

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
تركز عمل وزارة الإسكان في مجال عمل منشآت الوساطة العقارية "المكاتب العقارية" خلال العامين الأخيرين، على تنظيم قطاع الإيجار محليا، انتهت إلى حصولها على اعتماد مجلس الوزراء لتنظيمات وضوابط تستهدف تنظيم ومراقبة عمل هذا القطاع، تبلورت في "برنامج إيجار" الذي سيعمل على توحيد صيغة صياغة عقود الإيجار، وضمان الموثوقية اللازمة للتعاقد، وخفض النزاعات المحتملة، ومنع ورود الأخطاء في عقود الإيجار كصحة بيانات المتعاقدين أو عدم صحة سند الملكية للعقار ومشاكل الوكالات والصكوك الشرعية، واعتبرت تلك التنظيمات أن أي عقد للإيجار لا يسجل في الشبكة الإلكترونية "إيجار"، عقد غير صحيح وغير منتج لآثاره الإدارية والقضائية. وحددت تلك التنظيمات أربعة متطلبات يجب توافرها للتسجيل في الشبكة الإلكترونية لخدمات الإيجار بالنسبة للوسطاء العقاريين: (1) أن يكون الوسيط العقاري سعودي الجنسية. (2) أن تحمل منشأة الوساطة العقارية سجلا تجاريا ساري الصلاحية، ويتضمن نشاطي "إدارة وتأجير العقارات المملوكة أو المؤجرة السكنية" و"إدارة وتأجير العقارات المملوكة أو المؤجرة غير السكنية". (3) أن يكون عنوان مقر المنشأة مسجلا في خدمة العنوان الوطني المقدمة من البريد السعودي. (4) إتمام الدورة التدريبية الخاصة بتأهيل الوسطاء العقاريين قبل البدء بعملية إبرام عقود التأجير. لا شك أنه يعد نجاحا وتقدما مهما، ستنعكس أغلب نتائجه إن لم يكن كلها على قطاع الإيجار الذي يمثل نحو نصف القطاع العقاري حسب تصريحات وزارة الإسكان، إلا أن النصف الآخر منه المتمثل في قطاع البيع لا يزال كما يبدو مما أنجزته وزارة الإسكان حتى تاريخه، متأخرا جدا مقارنةً بما تم قطعه على طريق الإيجار، ورغم أن هذا الجانب ليس موضوع المقال هنا؛ إلا أنه يستحق اهتماما وعنايةً لا تقل بأي حال من الأحوال عن قطاع الإيجار، لارتباطه بحماية المستهلكين من التورط في شراء منتجات عقارية قد تعاني كثيرا من العيوب الهندسية والإنشائية، ويزداد الأمر سوءا إذا ترتب على عملية الشراء تحمل المشتري أعباء قروض عقارية طويلة الأجل، وهنا الورطة الأكبر التي تفوق أخطارها كثيرا أية مخاطر مقارنة بقطاع الإيجار، والمشهد العام مجتمعيا يعج في الوقت الراهن بكثير من القضايا العالقة، التي لم تجد حلا بالنسبة لمن تورط في شراء تلك المنتجات العقارية المهترئة، في الوقت ذاته الذي تستمر فيه المصارف المقرضة ومؤسسات التمويل في استقطاع أقساطها، رغم أن المشتري كان الضحية الوحيدة بين جميع الأطراف. سيكون لهذا الجانب حديثه المستقل بمشيئة الله تعالى قريبا، إنما الحديث هنا يتركز على الداء الأكبر المتغلغل في المكاتب العقارية، الداء القديم الجديد الذي امتدت آثاره السلبية إلى كل من قطاعي الإيجار والبيع دون استثناء، المتمثل في زيادة سيطرة العمالة الوافدة على نشاطات تلك المكاتب العقارية، وتحولها لاحقا إلى ما يشبه الكارتل التجاري الواسع النطاق في أغلب أحياء المدن والمحافظات. أوصلت تلك السيطرة الشاملة للعمالة الوافدة على المكاتب العقارية، إلى أن أصبحت تلك المكاتب ونشاطها أقرب إلى "الصندوق الأسود"، تمكنت داخله العمالة الوافدة من بناء شبكات العلاقات والتنسيق والنفوذ فيما بينها، تتشكل من مستويين رئيسين: المستوى الأول ممثلا في دائرة التنسيق والسيطرة على أكبر حصة من السوق العقارية حسب "جنسية" أقطاب تلك الدائرة. تنتقل إذا تطلب الأمر وفق "أعراف سوقية محددة" إلى المستوى الثاني، تلك "الأعراف" التي استغرق تشكلها والاتفاق عليها والعمل بها سنوات عديدة، سمح بتكونها وسيطرتها حتى أصبحت على ما هي عليه اليوم من قوة نافذة لا يشق لها غبار؛ الغياب شبه التام للإشراف والرقابة والتفتيش والمتابعة والتدقيق وبقية الإجراءات النظامية اللازمة عليها. فما هذا المستوى الثاني يا ترى بعد هذا الاستطراد القصير؟ المستوى الثاني: قيام علاقات أوسع وأكبر بين عدة دوائر من جنسيات مختلفة، تستهدف بالطبع حماية الحصص السوقية المسيطر عليها من قبل كل دائرة على حدة، وتسوية المستحقات المالية فيما بينها، من خلال تبادل المعلومات والمنافع وتلبية احتياجات المستأجرين والمشترين على حد سواء، وهي الأدوار والمهام ذاتها التي تتم تحت سقف المستوى الأول، إلا أنها تتم في هذه الحالة على نطاق أوسع يجمع فرقاء في الجنسية. استفادت العمالة الوافدة كثيرا من عدد من الأسباب والتشوهات حتى وصلت إلى ما وصلت إليه من سيطرة شبه كاملة على أنشطة المكاتب العقارية، مكنتها تلك السيطرة والنفوذ الكبيرين من الإسهام بصورة أكبر في زيادة تعقيدات الأزمة العقارية والإسكانية لدينا، كان من أخطر تلك الأدوار التي قامت بها: (1) الزيادة غير المبررة في الأسعار، سواء أسعار الأصول العقارية باختلاف أنواعها، أو على مستوى تكلفة الإيجارات سكنيا أو تجاريا. (2) محاربتها وطردها المستثمرين والعاملين من المواطنين في المكاتب العقارية. أدى كل ذلك بدوره لكثير من المساوئ الخطيرة جدا، بدءا من إغلاق الخيارات على المستفيدين والمستهلكين على حد سواء، والتحكم المفرط دون قيد أو شرط في أسعار البيع والشراء والإيجارات، ولا عجب فكلما ارتفعت الأسعار والإيجارات، زادت بكل تأكيد الغلة الثمينة من السمسرة والوساطة، وتطور في الوقت ذاته دور تلك المكاتب العقارية من مجرد الوساطة العقارية، إلى لعب دورٍ أكبر من ذلك بكثير تمثل فيما يشبه دور "صانع سوق"، انحصرت مهمته الرئيسة هنا فقط في دفع الأسعار والإيجارات للارتفاع الزاحف دون النظر إلى أي اعتبارات أو ظروف اقتصادية ومالية محيطة، وهو الخلل الذي تقع مسؤولية معالجته والتصدي له بالدرجة الأولى على كل من وزارات التجارة والعمل والإسكان. لقد دفع الجميع دون استثناء الثمن الباهظ لتردي الوضع الراهن للمكاتب العقارية، المستثمرين والعاملين والمستفيدين والمستهلكين من المواطنين على حد سواء، وتسبب كل هذا في زيادة التحديات التنموية الجسيمة على كاهل الاقتصاد الوطني والمجتمع، وأصبح لزاما على الأجهزة الحكومية ذات العلاقة وفي مقدمتها وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، مهمة التصدي الجاد والسريع لمخاطر وفوضى سيطرة العمالة الوافدة على المكاتب العقارية، والانتقال به إلى منطقة الأمان تنمويا التي تخدم مقدرات البلاد والعباد، لا أن تعبث بها وتستنزفها دون قيد أو شرط كما هو عليه في الوقت الراهن! فهل نجد آذانا مصغية من كل من التجارة والعمل والإسكان؟ بأن يتم التوطين الكامل لجميع وظائف المكاتب العقارية دون استثناء، وحصرها تماما في المواطنين فقط، الذي سيؤدي إلى إنجاح الجهود التي بذلت في مجال تنظيم عمل تلك المكاتب، ويسهم بدوره في الإسراع بتنظيم السوق العقارية في كل قطاعاتها لا مجرد قطاع جزئي منها، ويسهم وهو الأهم خلال المرحلة الراهنة أمام ارتفاع معدل البطالة بين المواطنين؛ في توفير فرص عمل مجدية جدا أمام المواطنين على اختلاف شرائحهم العمرية والجغرافية. والله ولي التوفيق.
إنشرها