Author

ارتفاع أسعار الأراضي .. توسع المدن ليس السبب الوحيد

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا


معنى الانهيار أن تهبط الأسعار بصورة عامة وبشدة، مثلا إلى قرابة نصف ما عليه الأسعار حاليا. أما الانخفاضات الصغيرة سواء في نسبتها أو في مواقعها فهي أولا موجودة، وثانيا غير مقصودة في هذا المقال.
لا شك أن أسعار الأراضي في مدننا الكبيرة قد ارتفعت خلال الطفرة السابقة 2003ــ2014 بمعدلات تفوق كثيرا المعدل العام للتضخم أو نسبة زيادة الأجور. ولسنا وحيدين، فارتفاع أسعار العقار بنسب تتجاوز كثيرا ارتفاع الأجور مشكلة عالمية. ومن يرغب في التأكد فالمعلومات متاحة بسهولة في النت.
لا يختلف وضع ما يسمى بالاقتصاد الريعي عن غيره في النقطة السابقة، طالما أن مصادر دخل الاقتصاد الأهم ستستمر ذات أهمية لفترة طويلة من الزمن.
ظهرت أعمال علمية كثيرة في دول مختلفة شرقا وغربا تحاول تفسير ظروف وأسباب الارتفاع الحاد. ووجد كثير من هذه الأعمال علاقة طردية قوية بين أحجام المدن وأسعار العقارات. وهذه العلاقة الطردية عامة تشمل دولا متنوعة في مواقعها شرقا وغربا، وفي مستوى دخل الفرد، وفي مساحاتها، وفي كثافة السكان، وفي طبيعة اقتصادياتها. وهنا عنوانان لضيق المقام.
1. "لا سعر كالبيت: أسعار المساكن عالميا 1870- 2012".No Price Like Home: Global House Prices, 1870–2012
2. "تكاليف التكتل: أسعار الأراضي في المدن الفرنسية". The Costs of Agglomeration: Land Prices in French Cities.
وغالب هذه الأعمال ضمن تخصص Economics of Agglomeration علم اقتصاد التجمع أو التكتل. وهو فرع اقتصادي حديث نسبيا.
لتوسع بعض المدن أسبابه، وأهمها توافر فرص العمل وتطور وسائل النقل والاتصالات وسبل المعيشة وغيرها من مغريات السكن في تلك المدن. وتوسعت كبريات مدن بلادنا بشدة خلال السنوات الـ20 الماضية. قارنوا زحام الشوارع في الرياض، مثلا، الآن وقبل 15 عاما.
أنتج التمدد مشكلات لسكان تلك المدن من زحام وضوضاء وتلوث وزيادة تكلفة ونقص توافر خدمات ومرافق وغيرها. وكلما توسعت المدينة مساحة وسكانا زادت تلك المشكلات وصارت المدينة أقل قدرة على استيعاب مزيد من السكان.
في الاقتصاد، كما في الفيزياء، لكل فعل رد فعل. من أهم ردود الفعل ارتفاع أسعار الأراضي. ويزيد هذا الارتفاع بشدة مع توسع المدن الكبيرة. منع هذا الارتفاع تمدد المدن وتزايد سكانها بمعدلات أعلى. لو قلنا مجرد افتراض أن الأسعار انهارت، فالمستفيد الأول المقتدرون. وسيتصاعد الطلب بشدة، ما يدفع الأسعار إلى الارتفاع بسرعة. يجب ألا ننسى أن الله خلق البشر محبين للدنيا يقدمون مصالحهم على مصالح غيرهم.
وحتى لا يساء الفهم، فإن توسع المدن ليس السبب الوحيد لارتفاع أسعار أراضيها.
من الحلول التي اتخذت توفير قوي لوسائل نقل عامة رخيصة. ففي مدن كبيرة كثيرة، يأتي إليها كل صباح يوم عمل مئات الآلاف للعمل ثم يعودون إلى بيوتهم خارج تلك المدن. وما حمل غالبهم على السكن بعيدا عن عملهم إلا غلاء العقارات. يجادل البعض بعوامل يراها ستؤدي إلى انهيار أسعار الأراضي، كانخفاض أسعار النفط إلى النصف تقريبا. لكن بحوث Economics of Agglomeration جعلت أنه من الممكن فهم تأثير انخفاض أسعار النفط بطريقة عكسية. لا يؤدي إلى انهيار أسعار الأراضي، ولكنه يخفضها أكثر. لنأخذ الموضوع بطريقة عكسية. لو افترضنا أن أسعار النفط لم تنخفض، وأكرر، الكلام بالدرجة الأولى عن أراضي الأحياء المخدومة في المدن الكبيرة. يدعم الكلام السابق أن تأثير انخفاض أسعار النفط في الاقتصاد لم يكن بقوة الانخفاض نفسه. كيف؟ أشهر مؤشر على حجم الاقتصاد هو الناتج المحلي الإجمالي رغم عيوبه، خاصة لاقتصاد نفطي. لم يؤد انخفاض أسعار النفط إلى النصف تقريبا إلى انكماش اقتصاد بلادنا بنسبة مقاربة كالثلث. وإليكم الأرقام الرسمية: بلغ الناتج للأعوام 2013 و2014 و2015 و2016 بالمليار ريال مقربا لأقرب رقم عشري:
أولا: بالأرقام الاسمية:
2800 لعام 2013
2840 لعام 2014 وهو أعلى رقم يسجل في تاريخ المملكة
2440 لعام 2015
2400 لعام 2016.
ثانيا: بالأرقام الثابتة (أي باستبعاد موضوع التضخم):
2360 لعام 2013
2440 لعام 2014
2550 لعام 2015
2580 لعام 2016
طبيعة انخفاض أو ارتفاع أسعار الأراضي أمر معقد. لأن الأراضي سلعة غير متجانسة. لا توجد على وجه الأرض قطعتا أرض متماثلتان تمام التماثل. يضاف وجود تنوع شديد في مستوى ومدى توافر أو قرب أو بعد الخدمات بكل أنواعها. ولهذا فإنه يسهل التلاعب والتضليل أو الانتقاء أو سوء الفهم في أخبار ارتفاعات أو انخفاضات في الأسعار.
قد يثير البعض نقطة انخفاض أعداد الإخوة الوافدين بسبب الرسوم وتأثير ذلك في أسعار العقار. المتوقع وفقا لمبادئ العرض والطلب أن تنخفض الإيجارات على المدى القصير، ولكن من البعيد أن تبقى كذلك على المدى البعيد. أهم سببين توقع هبوط في بناء وحدات سكنية بغرض التأجير، وزيادة أعداد وتوظيف السعوديين مع السنين فزيادة دخولهم، فطلبهم على الإيجار.
أخيرا ثلاث نقاط:
الأولى: ستكون أسعار الأراضي في أي مدينة كبيرة عرضة لانهيار إذا هاجر منها نسبة كبيرة من سكانها لأي سبب.
الثانية: ينبغي على الدولة أن تهتم بتطوير بعض المدن الصغيرة، وتطوير وسائل النقل إليها ومنها، وتبني سياسات تعمل على توليد فرص وظيفية فيها. ولعل مشاريع كمشروع البحر الأحمر تنتج لنا هذه.
الثالثة: داخل المدن مساحات بيضاء كثيرة مهملة. ومفترض وضع أنظمة تدفع إلى بيعها أو تطويرها.

إنشرها