Author

الاستثمار الرياضي .. لن ينجح أحد

|
عضو اللجنة المالية والاقتصادية ـ مجلس الشورى
هناك صراخ كثير حول الأندية الرياضية في المملكة، ونقاش مزعج جدا عن الديون، وعويل حول الاستثمار الرياضي، لكن شخصيا ومن وجهة نظر اقتصادية مالية بحتة أقول لن ينجح أحد. وهذا الرأي تأكد لي بعد نتائج الأندية السعودية التي شاركت في البطولة العربية التي أقيمت أخيرا في القاهرة، فلم تجد هذه البطولة الاهتمام الذي يليق بها في الشارع الرياضي ويليق بحجم جوائزها، فكما عرفت ــ ولست ناقدا رياضيا متخصصا ــ أن مجموع الجوائز بلغ ستة ملايين دولار من أجل إغراء الأندية بالمشاركة، بينها 2.5 مليون دولار للفائز بالمركز الأول وهي القيمة نفسها التي يحصل عليها دوري أبطال إفريقيا، وقريبة جدا من جائزة بطولة آسيا، وبالريال السعودي سيحصل البطل على قريب من عشرة ملايين ريال قريبة من نصف جائزة بطل الدوري. ورغم حجم الجائزة المغري جدا فإن الأندية السعودية التي شاركت فيها، لم تتأهل من دور المجموعات، وخرجت من الجوائز خالية الوفاض. من المدهش جدا تصرف الأندية السعودية خلال هذه البطولة، فأيام الدورة لم تتجاوز 13 يوما فقط، ويحصل البطل فيها على عشرة ملايين ريال، بينما على اللاعبين الركض طوال سنتين على طول الملاعب الرياضية في غرب آسيا وشرقها للحصول على قيمة الجائزة نفسها وعليهم الركض طوال عشرة أشهر للفوز بالدوري السعودي بعدد مباريات تتجاوز 26 مباراة للحصول على ضعف هذه الجائزة فقط، ومن وجهة نظر استثمارية بحتة فلقد كانت البطولة العربية بكل تفاصيلها فرصة استثمارية كبيرة جدا، وكانت بلا منازع من أفضل البطولات من هذه النظرة الاقتصادية، وتكاليفها على الأندية محدودة جدا، خاصة أن الاتحاد العربي تكفل بكثير من هذه التكاليف، كانت العوائد الاستثمارية من البطولة العربية أفضل بكثير من غيرها من البطولات، فلماذا لم تحصل عليها الأندية السعودية وتمول كثيرا من مصروفاتها خلال الدوري؟ ما المشكلة إذا؟ لماذا لم تبذل الأندية السعودية جهدا كافيا للفوز بهذه الجائزة، وهي القادرة على ذلك فيما لو تم أخذ المسألة بجدية أكثر؟ النقاش هنا يطول ولست أعرف الأسباب كلها بشكل يغني القارئ ويشبع الفضول، لكن من الواضح لي أن الاستثمار في الأندية السعودية أبعد ما يكون عن الإدراك الحقيقي له. ولقد ناقشت هذه المسألة مع عدد واسع من الشباب الرياضي، ومن المستغرب جدا أن الشارع السعودي نفسه لا يهتم بهذه المسألة لا من بابها ولا من محرابها، ولم يكن أحد مهتما إلى حد معقول بالنتائج العربية، وكأن البطولة أمر عارض، حيث لم تستقر وتأخذ عمقها الإعلامي في الوعي العربي، لكن مقارنة بأهمية الجوائز ندرك تماما أن الشارع الرياضي بأسره لن ينجح في الاستثمار الرياضي طالما التكلفة والعائد غير مدركين في وعيه. النقاش هنا ليس ترفا إعلاميا، الرياضة أصبحت اليوم تشكل صناعة كاملة، وكثيرون يجدون فرصا وظيفية فيها، حتى الأطفال والمعوقون، حتى المهندسون والأطباء، وحتى الصناعيون وتجار التجزئة. إن الرياضة قادرة بذاتها على قيادة الاقتصاد، وقادرة على امتصاص البطالة، والمساهمة في الناتج المحلي، لكن هذا مرهون تماما بقدرتها على إيجاد عوائد لكل ذلك. المسألة ليست ترفا يا أعضاء الشرف في كل الأندية، ليست وقتا مستقطعا، وليست بدلا عن الضائع، إنما هي مؤسسات اقتصادية عملاقة، وهندسة الموارد البشرية، ورأس المال الفكري والبشري. لكن مرة أخرى أين المشكلة إذا؟ لقد نشأت الرياضة في المملكة، بل في العالم ككل، على أساس أنها مؤسسات اجتماعية، وأنها تجد مواردها من المنح والمساعدات، والعاملون فيها هم من الهواة وهم متبرعون بوقتهم من أجل الرياضة والصحة للجميع، ولا مانع من بعض المال إذا توافر، لكن العالم اليوم تغير، ثم تغير، ثم تغير، ولم يبق غيرنا ينظر إلى الرياضة كمؤسسة اجتماعية، وأن الدعم من أعضاء الشرف فضل منهم، وما على المحسنين من سبيل. وفي بيئة كهذه فإن رضا هؤلاء المحسنين أهم استثمار تعمل عليه الأندية، وأهم ما يفعله اللاعب للبقاء في الوظيفة هو رضا هذا المحسن، ولو تحولت الأندية بموظفيها وأطبائها ومهندسيها وكل الصناعة من حولها إلى مجرد "..."، وإذا كان عضو الشرف المحسن المتفضل على النادي والرياضة في المملكة لا يهتم بالبطولة العربية، فلن تسعى إليها الأندية ولو بلغت جوائزها عنان السماء، فالمحسن لا يريد سوى الدوري السعودي حتى يتربع مع أخباره على وسائل الإعلام وتنشر قنوات الاتصال الحديثة تصريحاته النارية، لذا فإن أفضل العوائد من وجهة نظر هذا المحسن على أمواله التي دفعها للنادي هو عدد الأيام ومدى بقائه في صدارة الحدث الإعلامي. وإذا بقي في الحدث الإعلامي بقي الدعم، وإذا بقي الدعم بقيت الوظائف. وهكذا يصبح الاستثمار الرياضي في مهب رياح الاستثمار في صورة عضو الشرف ورضا هذه المحسن عن ظهوره الإعلامي، ولا يهم بالطبع كل القواعد المحاسبية وقواعد الاستثمار والتمويل والقروض والفوائد والأرباح، وإذا لم تطور المحاسبة لاكتشاف طريقة لحساب مدى رضا عضو الشرف الداعم، وإذا لم تستطع حتى الآن حساب مشاعره في القوائم المالية للنادي، فلن تكون هناك قوائم مالية للأندية تنشر علنا أو حتى سرا، ولن تكون هنا أسهم تباع وتشترى في سوق المال، ولن ينجح في الاستثمار الرياضي أحد.
إنشرها