خط الغاز الروسي «نورد ستريم 2» في صميم العقوبات الأمريكية

خط الغاز الروسي «نورد ستريم 2» في صميم العقوبات الأمريكية

أثارت الولايات المتحدة الغضب في أوروبا بإقرارها جزئياً مشروع قانون يفرض عقوبات جديدة ضد روسيا، ويعيد هذا التوتر إلى الأذهان صورة توترات سابقة حول فكرة خضوع الشركات عالمياً للقانون الأمريكي.
ودانت دول أوروبية؛ بينها ألمانيا، إدراج فقرة تشمل المشروع الروسي لخط أنابيب نقل الغاز إلى أوروبا "نورد ستريم 2" في عقوبات جديدة على موسكو أقرّها مجلس الشيوخ الأمريكي؛ معتبرة أنها تمسّ مصالحها الاقتصادية.
وقال ستيفن سايبرت؛ المتحدث باسم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل؛ إنه من الغريب أن يستهدف نص يهدف إلى معاقبة روسيا على سلوكها، خصوصاً التدخل المفترض في الانتخابات الأمريكية، الاقتصاد الأوروبي.
وبحسب "الفرنسية"، فقد تبنى مجلس الشيوخ الأمريكي بشبه إجماع، الخميس، عقوبات جديدة ضد روسيا تطول بنى تحتية أساسية لأوروبا مثل أنبوب نقل الغاز "نورد ستريم 2" الذي يُفترض أن يربط روسيا بألمانيا عبر بحر البلطيق.
وبحسب "الفرنسية"، فإن النص الذي ما زال بحاجة إلى إقراره في مجلس النواب ومصادقة الرئيس دونالد ترمب عليه، يمنح الرئيس سلطة فرض عقوبات ضد أشخاص وشركات تقدم بضائع وخدمات أو تكنولوجيا تسهم "بشكل مباشر أو كبير" في بناء أنابيب نقل الغاز الروسي.
وتستهدف العقوبات الاستثمارات التي تزيد قيمتها على مليون دولار لكل صفقة، أو مجموع خمسة ملايين دولار أو أكثر على مدى عام واحد، وإذا تحول نص هذه العقوبات إلى قانون، فقد تطول العقوبات عدداً من الشركات الأوروبية الكبرى العاملة في تمويل مشروع "نورد ستريم 2" الذي يُفترض أن يضاعف حجم تدفق الغاز الروسي إلى ألمانيا بحلول عام 2019.
وترى الحكومة البولندية وحكومات دول البلطيق، أن "نورد ستريم 2" سيزيد من اعتماد دول الاتحاد الأوروبي على "جازبروم" الروسية التي تمد القارة فعلياً بثلث احتياجاتها من الغاز، بينما يرى مؤيدون على رأسهم ألمانيا أن المشروع فرصة للحصول على إمدادات غاز بأقل تكلفة.
ويريد الاتحاد الأوروبي تنويع مصادر إمدادات الغاز، وأفادت المفوضية بأن مشروع "نورد ستريم 2" ربما يعزز من موقف روسيا بوصفها مورداً وحيداً للغاز في السوق الأوروبية.
وأوضح ماروس سيفكوفيتش؛ مفوض الطاقة أن "نورد ستريم 2" لا يسهم في تحقيق أهداف الطاقة بالاتحاد الأوروبي، ولو تم تدشينه على أقل تقدير، فإن ما يمكن فعله هو العمل بشفافية اتساقاً مع قوانين السوق الأوروبية.
ومن بين الشركات التي قد تطولها العقوبات شركة التوزيع الفرنسية إنجي، والشركات الألمانية "يونيبر" التي انفصلت عن (أيون)، و"فينترشال" (باسف) والنمساوية "أو إم في"، والبريطانية - الهولندية (شل)، وجميعها مساهمة في المشروع الذي تقدر قيمته بـ 9.5 مليار يورو (10.6 مليار دولار).
ولا يخفي واضعو نص القانون معارضتهم مشروع أنبوب الغاز الذي انتقده بدوره رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك؛ وجاء في النص أن الحكومة الأمريكية تستمر في "معارضة أنبوب غاز "نورد ستريم 2" نظراً لتأثيره الضار في أمن الطاقة في الاتحاد الأوروبي، وعلى واشنطن "التركيز" على تصدير الغاز الأمريكي لاستحداث وظائف لسوق العمل الأمريكية؛ ما أثار غضب فرنسا وألمانيا.
وقال روري ماكفاركوار؛ وهو مساعد سابق لباراك أوباما؛ إن رد الفعل الأوروبي العنيف يعكس تخطي "الخط الأحمر" لنص العقوبات، مضيفاً أن فلسفة إدارة أوباما كانت تقوم على اعتبار أن العقوبات تكون أكثر فاعلية إذا ما كانت هنالك وحدة بين الولايات المتحدة وأوروبا حول الهدف والمقاربة.
وتابع ماكفاركوار؛ الذي يعمل حالياً خبيراً في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، أن ما تتطلبه الوحدة هو احترام الولايات المتحدة لخطوط حمراء وأهمها ألا تطول العقوبات تزويد أوروبا بالطاقة. وهي ليست المرة الأولى التي يتسبّب فيها قانون أمريكي وميل الولايات المتحدة لفرض "أخلاقيات" على قطاع أعمال، إلى شجار مع حلفائها في الجهة المقابلة من المحيط الأطلسي.
وكان القانون الأمريكي لمكافحة الممارسات الفاسدة "إف سي بي أيه" الصادر في 1977 قد سمح للحكومة بمراقبة تحويلات مالية مشكوك فيها لشركات في مختلف انحاء العالم متى كانت هذه الشركات مدرجة في الأسواق الامريكية وتقوم بتحويلات ضمن النظام المالي الأمريكي.
ففي 2008 أُجبرت شركة سيمنز على دفع مبلغ 800 مليون دولار بعد إقرارها بالذنب في قضية تقديم رشا لمسؤولين، ولا سيما في الأرجنتين وفنزويلا، وفي 2014 دفعت الشركة الفرنسية ألستوم 727 مليون دولار غرامة بسبب رشا. إلا أن النزاع الأبرز في التجارة عبر الأطلسي لا علاقة له بقانون "إف سي بي أيه"؛ بل بانتهاك العقوبات، ففي 2014 اضطر مصرف "بي إن بي باريبا" إلى دفع 8.9 مليار دولار لتسوية نزاع متعلق بانتهاك عقوبات عبر ممارسة نشاطات مصرفية في السودان وكوبا وإيران، وعبّرت شركات فرنسية عدة عن غضبها ووصل ببعضها الأمر إلى انتقاد "التعسف في استعمال السلطة" من قبل الولايات المتحدة.

الأكثر قراءة