Author

التداول الآلي .. آخر صرعات أسواق المال والتقنية

|

أسواق المال في تطور مستمر. فرحلة التطور هذه تعمل على تخفيض التكاليف وزيادة سعة الأسواق وعمقها، الأمر الذي يرفع هامش الربحية للمتعاملين ويسهل عملياتهم وكذلك يزيد قاعدة المتعاملين ورواج تجارة الاستثمارات ما يزيد من سيولة الأسواق وجاذبيتها. أحدث المحطات في رحلة تطور أسواق المال هي التداول الآلي أو تداول الخوارزميات. في عام 2011 قدر الرئيس التنفيذي لبورصة شيكاغو للسلع نسبة العمليات التي يتم استخدام التداول الآلي وبرمجيات الخوارزميات فيها بنحو 45 في المائة من إجمالي العمليات في أسواق النفط ونحو 75 في المائة من إجمالي العمليات في أسواق الأسهم. يمكن تعريف التداول الآلي بأنه عملية استخدام أجهزة الكمبيوتر مبرمجة للقيام بمجموعة محددة من التعليمات واتباع استراتيجيات لتداول الأوراق المالية بكميات كبيرة وسرعة فائقة يصعب على المتداول البشري القيام بها. تعمل محددات التعليمات على تحليل بيانات عن السعر وكميات التداول ونماذج رياضية لتحديد اتجاهات التداول، أما فيما يخص طريقة تحقيق أرباحها، فهي تعتمد على الربح القليل مع كثافة عالية في العمليات. وتعود شهرة برمجيات التداول الآلي وخوارزمياته إلى أنها تحيد وتبعد الانفعالات البشرية عن أسواق المال.
بداية هذه الاستراتيجيات كانت مع المتداولين المؤسساتيين، ولم تكن وقتها تهدف لاعتماد استراتيجية لتحقيق الأرباح، إنما كانت لتخفيض التكاليف. فكميات التداول الهائلة التي تقوم بها صناديق التحوط والمحافظ الادخارية والمصارف الاستثمارية تستدعي تخفيض التكاليف. ولكن سرعان ما تنبه المتداولون إلى إمكانية اعتماد تقنيات الخوارزميات بكثافة أعلى لتحقيق الأرباح. ومع زيادة شعبيتها وتحقيقها الأرباح، بدأت الشركات المتخصصة في هذا النوع من التداول في طرح منتجاتها لإدارة محافظ العامة لزيادة حجم عملياتها وانتشارها في الأسواق. وتدعي إحدى الشركات التي تستهدف الأفراد أنها تخفض من مستوى المخاطرة بشكل كبير، نظرا لاتباعها استراتيجية تواكب اتجاه السوق مع أقل فترة احتفاظ بالأسهم، ما يعزل المستثمر عن الأحداث السلبية المفاجئة والاتجاهات السلبية بشكل عام.
التداول الآلي وبرمجيات الخوارزميات ستفتح الباب أمام مزيد من الأتمتة وستغير الطريقة التي تعمل بها الأسواق. فعلى سبيل المثال، بدأت بعض برامج الخوارزميات قراءة البيانات الصحافية المالية تماما كما نفعل نحن البشر. وباتت تلك البرامج تعمل على تحليل النص في محاولة لتحديد نماذج سلوكية ووجهة نظر السوق المستقبلية. كل ذلك يتم عن طريق توفير محتوى مقروء آليا مثل "رويترز". الأمر الذي دفع بعض مقدمي الخدمة الإضافيين إلى دخول هذه السوق محاولين تقديم خدمة تتعدى محتوى الأخبار، عن طريق التركيز على كلمات محددة لتحديد مستوى شعور الخبر. ليس أدل على هذا التحول الكبير من التضارب بين واقع العرض والطلب في أسواق النفط وبين مراكز شراء صناديق التحوط التي ترجح مزيدا من الارتفاع في الأسعار. فعلى الرغم من ارتفاع عدد منصات الحفر الأمريكية وكذلك مستوى المخزون الأمريكي وعدم التزام بعض دول "أوبك" بالتخفيض، إلا أن قراءة مشاعر الأخبار المالية تقول إنها متحمسة ومشجعة لارتفاع الأسعار، فهل ستتعدى استراتيجيات التداول الآلية دورها من متابعة اتجاه السوق إلى إيجاد هذه الاتجاهات برمتها؟ الجواب يكمن في التقدم التقني مستقبلا.

إنشرها