Author

لابد أن يقبل القطاع الخاص التغيير

|

لا يمكن إنكار الصعوبات التي يمر بها القطاع الخاص السعودي. فمع التغييرات السريعة والجذرية التي اعتمدتها الحكومة على مدى العامين الماضيين، تراجعت الأسواق المحلية بشكل كبير. بداية التأزم كان في وضع السيولة الذي بدأ بالتحلحل مع صرف مستحقات المقاولين وبداية برنامج الاقتراض الخارجي، ثم تلا ذلك تراجع القوة الشرائية للموظفين الحكوميين. ورغم التحسن الطفيف الذي طرأ على وضع السيولة، إلا أن معدل دوران النقد ما زال ضعيفا، الأمر الذي عمل على إبطاء حركة المبيعات في الأسواق. كل تلك العوامل لم يتمكن القطاع الخاص من هضمها، فعمل على تقليص المصروفات. ومع بداية ارتفاع التكاليف المتوقع نظير الرسوم الحكومية الجديدة، فإن وتيرة تقليص التكاليف ستأخذ منعطفا أكثر حدة.
آخر ما لجأت إليه منشآت القطاع الخاص كان تقليص القوى العاملة لديها من السعوديين. تبع ذلك زوبعة من الاتهامات والانتقادات الشديدة. المشكلة تكمن في أن الشارع السعودي يحس بوطأة هذه القرارات دون أن يجد لها أي تبرير. ففصل الموظف السعودي والإبقاء على الأجنبي ليس إلا استمرارا لمنهجية يجب أن تنقرض، اعتمدها واستفاد منها القطاع الخاص على مدى عقود طويلة، وهي الاعتماد على العمالة الرخيصة. ما يحتاج إليه القطاع الخاص في هذه المرحلة هو إعادة هيكلة نموذج أعماله وتوفير نماذج تجارية جديدة تعتمد على الموظف السعودي ذي الإنتاجية المرتفعة بالأساس. فالنظام اليوم يكفل لرب العمل المرونة في التعاقد وإنهاء عقود العمل، وهي إحدى الحجج التي كان يستخدمها القطاع الخاص لتفضيله توظيف الأجانب. ولكن واقع الأمر يقول إن التغيير غير محبذ، والإجراءات الطارئة ستستمر إلى أن تستنفد فعاليتها، ولذلك فإن على الحكومة الاستمرار في وجهتها بدفع القطاع الخاص نحو كفاءة وإنتاجية أعلى بمعدلات توطين مرتفعة.
المادة الـ77 من النظام قضت على مفهوم الأمان الوظيفي ولكنها في الوقت نفسه عززت مبدأ الكفاءة في القطاع الخاص. وكما أن تحقيق الأرباح بأعلى كفاءة حق يكفله النظام، يجب ألا نغفل أن العمل التجاري امتياز يمنحه النظام بعقده الاجتماعي. ولذلك تكونت أساسيات وأبعاد المسؤولية الاجتماعية. لا يعني ذلك إثقال كواهل منشآت القطاع الخاص بحل مشكلة البطالة، ولكن يجب أيضا ألا يكون الهدف الرئيس للقطاع الخاص هو تحقيق الأرباح. فعلى الرغم من أن الرأسمالية تقوم على أن تعظيم المصلحة الفردية يؤدي إلى أكبر نفع اجتماعي، إلا أن هذا النظام أدى إلى تركيز مزيد من الثروة لدى الأغنياء. لموازنة أثر هذه المادة يجب تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني وإشراكه في صناعة القرار ضمن منظومة القطاع الخاص. أحد أشكال هذه المؤسسات هو النقابات المهنية والعمالية، التي يمكن إعطاؤها صلاحيات واسعة ضمن برامج حوكمة منشآت القطاع الخاص. بهذه الطريقة يضمن الاقتصاد أن صاحب رأس المال يقوم بتسديد دينه للمجتمع الذي سمح له بالعمل التجاري بشكل يكفل حقه وحق الموظف.

إنشرها