Author

هل الدوام الحكومي يناسب «الرؤية»؟

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا

تستهدف "رؤية السعودية 2030" تحقيق نمو (ازدهار) اقتصادي راسخ، غير معتمد على تصدير النفط. وهناك ثلاثة عوامل أساسية لا يمكن أن يكون هناك نمو وإنتاج من دونها، وعلى المدى الطويل خاصة: رأس المال البشري، ورأس المال المادي، والتقنية بمعناها الأشمل الذي يندرج تحتها أي مستوى تقني سائد. وأهم هذه الثلاثة رأس المال البشري. السؤال التالي: ما العوامل والظروف التي ترفع رأس المال البشري؟ هناك عوامل أساسية تسهم في رفع إنتاجية الفرد، منها زيادة تحمل المسؤولية وعلى رأسها الانضباطية، سواء كان في القطاع العام أو الخاص. الرأي السائد لدى الناس أن انضباطية أغلب موظفي الحكومة ليست بذاك. وتزيد المشكلة مع نقص بين في أيام وساعات دوام الحكومة مقارنة بالقطاع الخاص. وما كان يفترض ذلك. حيث لا تجد فروقا كبيرة في أيام وساعات الدوام بين القطاعين الخاص والعام في الدول المتقدمة اقتصاديا، وأتحدى من يثبت لي العكس. يقول بعض موظفي الحكومة إنه لا حاجة إلى زيادة أيام وساعات الدوام، لأن العبرة بالكيف وليس الكم. ولكنني أرى أن الرأي السائد لدى الناس هو أن موظفي القطاع الخاص أعلى أداء من موظفي الحكومة. والكلام على المتوسط أو الأغلبية وليس على كل فرد طبعا. من جهة أخرى، إذا كانت العبرة بالكيف وليس الكم، فلماذا لا يطبق المنطق نفسه على القطاع الخاص؟ إذا كانت هناك قناعة بأن دوام الحكومة من حيث الساعات وأيام الإجازات مناسب، لا تترتب عليه أضرار بالاقتصاد وبمصالح الناس، فلماذا لا يغير دوام القطاع الخاص ليصبح مثل الحكومة؟ هل عدد ساعات وأيام عمل الحكومة أقل أهمية من عدد ساعات وأيام عمل القطاع الخاص؟ هل حدد دوام القطاع الخاص بهدف الأذية بموظفيه؟ لا عاقل يقول بذلك. يفرض على أغلبية الناس قبول الواقع في الدوام الحكومي، الذي تعطل أو تأخر بسببه كثير من مصالحهم. وتبعا، فإن هذا التعطيل أو التأخير يضر بالاقتصاد. هذا الواقع في الدوام يتمثل في القصر النسبي لصافي ساعات الدوام، خاصة مع كثرة أيام الإجازات مقارنة بالقطاع الخاص، ووجود ما يتسبب في تقليل صافي ساعات الدوام (مثل التأخر في بدء العمل صباحا أو التوقف الطويل نسبيا بحجة صلاة الظهر، أو قطع الدوام لتناول وجبة طعام، أو توقف العمل قرب انتهاء الدوام). هذا لا يعني إنكار وجود أسباب أخرى لتعطيل المصالح. نحن لسنا أفهم من الدول المتقدمة اقتصاديا التي لم تفرق في الدوام بين الحكومة والقطاع الخاص. ولذا لا أدري علام العناد والاستمرار على التفريق؟ لو بحثنا عن عدد أيام الإجازات الرسمية السنوية للموظفين الحكوميين، فسنجدها في المملكة من أعلى الدول. سيعارض طبعا موظفو الحكومة أي مسعى لتقريب دوام الحكومة بدوام القطاع الخاص، وهذا متوقع، ولكن من الخطأ الاعتماد شبه الكلي على مشورة من يخضعون لنظام الخدمة المدنية، بسبب تعارض المصالح، تماما مثل خطأ الاقتصار على رأي العاملين في القطاع الخاص في تحديد دوامه. مطلوب تقريب قوي لعدد ساعات الدوام اليومي وأيام إجازتي العيدين بين القطاعين العام والخاص. حتى لو تطلب الأمر زيادة وقت مناسب ومحدد تماما ابتداء وانتهاء لأداء صلاة الظهر وتناول وجبة طعام، على ألا يحتسب من ساعات الدوام. ستثار مسألة التعويض المادي لهذا التقريب، وبحثها ليس هذا مقامه. كما ستثار مسألة تعطيل المراجعين لفترة تحت عذر تناول الغداء (لمن يرغب). ولكن تناول الغداء أثناء العمل منتشر في كل العالم، وليس من الصعب وضع ترتيبات التطبيق وضبط وقت الغداء. ولا ينبغي أن ننسى أنه لا توجد صيغة دوام لا مشكلات ولا عيوب فيها، والقضية اختيار ما هو أكثر مصلحة للعباد والبلاد. وبالله التوفيق.

إنشرها