Author

إيران .. وهم الأموال «النووية»

|
كاتب اقتصادي [email protected]
"كل شيء على ما يرام اليوم، هذا هو الوهم" فولتير، أديب وفيلسوف فرنسي راحل الأمر برمته ليس كما يتوهم النظام الإيراني. الاتفاق النووي أثمر شيئا، لكنه لم يأت بما كانت تتوهمه إيران، خصوصا على الصعيد الاقتصادي. هذا النظام لا يسعى إلا وراء المال، ليس من أجل التنمية والبناء والإصلاحات ورفع مستوى العيش للإيرانيين، ولا لكي يرسم معالم اقتصاد باتت البلاد في أمس الحاجة إليه، بعد الخراب الذي حدث (ويحدث)، بل لتغذية استراتيجيتها العدوانية هنا وهناك. لا تهم الجغرافيا ولا الحقائق ولا الحقوق، المهم أن تمضي هذه الاستراتيجية إلى آخر هدف وضع لها. ومن هنا نستطيع أن نشهد، دمارا اقتصاديا في إيران، وصل إلى مستوى تعاظم فيه الفقر، وارتفعت البطالة، ووصلت فيه التنمية إلى مرحلة الصفر. المهم المال الآتي من اتفاق لا يزال مشكوكا في جدواه، بل في غاياته، وهو مهم لأن الأموال مطلوبة في مناطق الخراب التي أحدثها النظام الإيراني خارجا، بعد أن أكمل الخراب في الداخل. المشهد الإيراني المحلي الآن يتلخص في التالي: العملة الوطنية تنهار، الفشل في جذب الاستثمارات، إخفاق في بناء علاقات مصرفية عالمية فاعلة، بطالة متزايدة بصورة خطيرة، فقر منتشر حتى بين الطبقات المتوسطة، سخط يرتفع صوته، على سيطرة ما يسمى بالحرس الثوري على أكثر من ثلث الاقتصاد الوطني. العوامل كثيرة تلك التي أسهمت في تشكيل هذا المشهد، لكن العقوبات بقيت على رأسها، لأنها منعت عن إيران حراكا اقتصاديا طبيعيا على مدى سنوات. أما الآن وقد زالت العقوبات، فالأمر لم يتغير كثيرا، باستثناء استرداد النظام الإيراني نحو 11 مليار دولار على مدى أكثر من عام تقريبا، كانت إما مجمدة، أو محتجزة. وهي بلا شك من حق هذا البلد، لكن هل يستحقها النظام الإيراني باستراتيجيته التخريبية العدوانية؟ وفي كل الأحوال الأموال المجمدة ــــ المحتجزة لا تصنع اقتصادا، بل لا تعيد الاقتصاد إلى مسار مقبول محليا، ليس لأنها أقل مما هو مطلوب لتغيير المشهد الاقتصادي العام، بل لأنها تدخل في إطار تكاليف دفعت بالفعل. والمهم لإيران (ولغيرها) حراك اقتصادي إقليمي وعالمي، يوفر لها مزيدا من الاستدامة المالية والإنتاجية، ويضمن حراكا تنمويا مطلوبا الآن أكثر من أي وقت مضى. هذا الحراك لم يأت كما كان نظام علي خامنئي يتوهم ويتمنى. لماذا؟ لأن المؤسسات الغربية الفاعلة على الصعيد الاقتصادي لا تزال تخشى الخوض في غمار اقتصاد إيراني تغطيه الشبهات، بل تفضحه الحقائق في مناح كثيرة. دعك من بعض الشركات التي تتهافت اليوم على العودة لإيران، فهذا مفهوم من منطلق استثماري ربحي، لكن الآليات المالية غير متوافرة على الساحة، لأن المؤسسات المالية ترفض المشاركة الآن على الأقل. في الواقع، المؤسسات المالية خائفة من النظام المالي العالمي، ومن النظام الإيراني نفسه، لأنه يبقى متهما في مسائل خطيرة، بل مدانا في مسائل عدة ظهرت على السطح في السنوات القليلة الماضية. وليس مهما هنا أيضا، ما قدمته إدارة باراك أوباما من تطمينات للشركات الغربية غير الأمريكية، بأنها لن تكون عرضة للملاحقة في حال تعاملت مع إيران. فهذه الإدارة لم تكتسب احتراما يذكر حتى عند أصغر الشركات قاطبة، لماذا؟ لأنها أثبتت على مدى ثماني سنوات أنها غير قادرة على صناعة قرار واضح، وموقف أكثر وضوحا حيال كثير من المسائل. كما أنها باتت ماضية الآن خارج الحكم إلى غير رجعة. خصوصا أن ما قدمته في الواقع كان مجرد تطمينات وليس سياسات وتشريعات موثقة محليا. ومع فوز دونالد ترمب بالرئاسة الأمريكية، زادت المخاوف أكثر، لأن هذا الأخير أبدى علنا موقفا سلبيا من النظام الإيراني ومن الاتفاق النووي الذي لا يزال البعض يتحدث عن ملاحق سرية له. أسفر هذا الوضع عن فشل إيران في جذب استثمارات أجنبية. وباستثمار بعض المشاريع النفطية وشراء طهران لطائرات نقل مدنية، فإن الاستثمارات المأمولة لم تتدفق على هذا البلد، في حين كان نظامه يحلم بجذب 200 مليار دولار في السنة الأولى التي تعقب توقيع الاتفاق النووي. وإذا كانت المصارف العالمية الكبرى تخشى الوقوع في مشكلات قانونية مع الولايات المتحدة إذا ما تعاملت مع إيران في عهد أوباما؟ علينا أن نتخيل خشيتها الآن، وترمب يتسلم الرئاسة هذا الشهر. قبل أيام من رحيل باراك أوباما من البيت الأبيض، قال مشرعون في الكونجرس الأمريكي إن إيران تستخدم الأموال المفرج عنها لدعم الإرهاب في اليمن وسورية والعراق، وكذلك تطوير ترسانتها من الأسلحة المتطورة وخاصة الصواريخ. وكل هذا من المحظورات الغربية بالطبع. خصوصا عندما لا يكون للسلطة التي حظيت بمباركة علي خامنئي الحق حتى في توجيه الأسئلة، عن مصير الأموال التي يقتطعها "الحرس الثوري" والعصابات التابعة له من العوائد الوطنية. الأمر خطير بالفعل بالنسبة للمصارف والمؤسسات المالية العالمية، وهو خطير الآن، مع وصول رئيس ينظر إلى إيران كراعية متأصلة للإرهاب ومعه الخراب.
إنشرها