Author

ميزانية استثنائية واقعية

|
كاتب اقتصادي [email protected]
اكتسبت ميزانية المملكة لعام 2017 توصيف "الاستثنائية"، رغم أن أغلبية بنودها كانت متوقعة من جانب عدد كبير من الجهات الاقتصادية المحلية والعالمية. غير أن "استثنائية" هذه الميزانية تكمن في أنها تشكل مرحلة من مراحل تنفيذ "رؤية المملكة 2030" وبرنامج التحول المصاحب لها، وبالتالي فهي ليست مفاجئة، ولا تدخل ضمن الإطار غير المتوقع لمسيرة الاقتصاد السعودي. فالاستراتيجية الاقتصادية للبلاد واضحة بصورة تحاكي السنوات المقبلة، بكل تطوراتها واستحقاقاتها، وإن مرت مفاجآت ما، فهي قادرة على مواجهتها بفضل آليات متجددة، يصنعها في الواقع اقتصاد وطني أكثر انفتاحا ومرونة واستدامة ومبادرة، وأقل تعرضا للمفاجآت، على الرغم من عدم استبعادها في المشهد الاقتصادي العالمي ككل. إنها ميزانية استثنائية وواقعية في آن معا. بمعنى، أنها تحاكي مستقبل الدعم الحكومي الراهن، ولكن دون المساس بمستحقيه. وهذا يوفر في الأساس، دعما متطورا عادلا، بعد أن تتحدد الأطر العامة له، والشرائح التي تستحقه بالفعل. وهذا بحد ذاته يحمل أحد الشعارات التي تضمنتها الميزانية وهو "مجتمع حيوي". وهذا المجتمع، يسهم أساسا في بناء الاقتصاد السعودي الراهن، وفق رؤى مختلفة عما كانت عليه في العقود السابقة. كما أن المخططات الاقتصادية التي جاءت ضمن إطار "الرؤية" تتضمن سلسلة لا تنتهي من استثمار كل الإمكانات الموجودة بل الكامنة في المجتمع السعودي، من أجل الوصول إلى النقطة المنشودة للاقتصاد الوطني الجديد. إنها مسألة مشاركة كل عناصر المجتمع في بناء مستقبلهم. ومن "مجتمع حيوي"، يأتي "الاقتصاد المزدهر"، خصوصا في ظل المخططات الراهنة التي جاءت في إطار الميزانية العامة، على خفض العجز في الموازنة، وترشيد الإنفاق العام بما ينسجم مع متطلبات "الرؤية". والواقع الراهن، يشير بوضوح إلى أن السعودية ماضية إلى الأمام في مسألة التوازن المالي، وهي غاية استراتيجية عالية الأهمية، لأن المملكة ستتمكن من خلال هذا التوازن المنشود، تدعيم مشاريعها الاقتصادية المختلفة، وتعزيز السمعة الائتمانية التي تتمتع بها حاليا على الساحة العالمية. وحول هذه النقطة بالذات، تمكنت السعودية من الاحتفاظ بسمعتها هذه في عز تراجع عائدات النفط على مدى عامين ونصف العام تقريبا، ما دفع كثيرا من الجهات الدولية، إلى تأكيد أن السعودية مكان آمن ليس فقط للاستثمارات الأجنبية، بل أيضا لإصدار السندات السيادية. وفي إطار "الاقتصاد المزدهر" أيضا سيكون هناك تركيز كبير على المشاريع المقامة حاليا، وإطلاق سلسلة أخرى من المشاريع التي تتناسب مع مسيرة تكون الاقتصاد السعودي الجديد. علما أن هناك مشاريع يمكن إعادة النظر فيها من منطلق استثماري بحت، ولا سيما في ظل الاهتمام الكبير الذي توليه القيادة السعودية للقطاع الخاص في دور استراتيجي له، فيما يختص بالبناء الاقتصادي وبرسم معالم الحراك الاقتصادي ككل في المستقبل. ولهذا السبب تم رصد ما يزيد على 200 مليار ريال دعما لهذا القطاع، الذي بات في البلدان المتقدمة القطاع الأول وليس الثاني. وهذا ما يدفع أيضا مسيرة الخصخصة في السعودية إلى الأمام بسرعات متصاعدة، خصوصا إذا ما عرفنا أن المملكة تستعد لخصخصة نحو 16 جهة حكومية، وهذه الجهات توفر نحو 109 فرص استثمارية. حسنا لن تفرض ضرائب على المواطنين السعوديين أو المقيمين، هذا تأكيد جديد من القيادة في المملكة، وباستثناء ضريبة القيمة المضافة التي ستفرض في أول عام 2018 بالتزامن مع فرضها على مستوى بلدان مجلس التعاون الخليجي، لا توجد ضرائب دخل مباشرة في السعودية بأي شكل من الأشكال، وهذا يوفر أيضا دعما للحراك الاستثماري، بما في ذلك استقطاب مزيد من الاستثمارات الأجنبية في مختلف القطاعات القديمة والمتجددة، بما فيها بالطبع التجارة والسياحة والخدمات والنقل وغير ذلك. وقد أثبتت الأشهر القليلة الماضية، أن المملكة قادرة على جذب استثمارات كبيرة، بفضل سمعتها الاقتصادية، واستنادا إلى القوانين الاستثمارية الجديدة أيضا التي فتحت آفاقا واسعة لكل جهة تسعى إلى الاستثمار. دون أن ننسى، أن الجهات الاقتصادية الدولية تشدد دائما على الأمان الاقتصادي السعودي في مختلف المناسبات. ما لا شك فيه، أن الخطوات الاقتصادية التي تتضمنها البرامج المختلفة وفي مقدمتها "رؤية المملكة 2030"، تفسح المجال أمام الشعار الثالث وهو "وطن طموح". ويستطيع أن يكون كذلك بالفعل، مع رؤية تحاكي المستقبل، مثلما تتعاطى مع حقائق الحاضر. كما أنها تستهدف في الواقع الأجيال المقبلة من زاوية العيش الرغيد والمشاركة المباشرة لها في كل القطاعات المطروحة على الساحة. ولدى هذه الأجيال إمكانات كبيرة بالطبع، ويمكنها الاستفادة على مدى العقود المقبلة من التشريعات المرنة، والرؤى التي تركز على بناء اقتصاد سعودي جديد، يليق بالحراك العالمي للمملكة وباستحقاقات أي مرحلة مقبلة إليها.
إنشرها