Author

«عِفّوا»

|
أسترجع دائما استغراب الطفل الذي يوجهه أبوه بأن يقول للقادم من الخارج إنه غير موجود. تلك الوسيلة التي يبدأ أطفالنا عن طريقها تعلم الكذب، بل اعتباره في مرحلة من المراحل من الذكاء الاجتماعي حيث يصبح طبعا لازما، ثم يتوافد كثير من الناس نحو تلك القاعدة التي يبدأون عن طريقها كسبهم البائس الذي ينتهي هباء عندما يكشفهم الآخرون فيصبحون بلا قيمة أو ثقة. إن الدفع باتجاه السلوك السيئ لا يكون بأهداف سيئة في الأساس، لكننا يجب أن نوازن دوما بين ما يمكن أن يكون نتيجة لما نخلقه من السلوكيات وطرق التفكير. إن الاعتقاد أن الكذبة أو الطعن في الآخر أو سرقة شيء لا قيمة مادية له ما هي إلا تصرفات معزولة يمكن أن يتخلص منها أبناؤنا، أمر خاطئ تماما. ذلك أن السلوك السلبي الذي يبدأ صغيرا لا يلبث أن يتحول إلى عمل محبذ لأنه يخلص صاحبه من المسؤولية. مع الأيام تكبر القدرة على الخيانة والسلوك غير المهني لتصبح حالة من التقمص كونها تسهل الهروب من المسؤولية. مواجهة الحقيقة تصبح أصعب وتتحول الحلول إلى محاولات الاستذكاء، وهو ما يوجد البراعة المتناهية التي نراها عند البعض في كشف الحلول وتقديم الأعذار والتخلص من المواقف المحرجة. عندما تستقر مثل هذه المبادئ في المجتمع، يصبح الشك أساسا في التعامل وتصبح القدرة على تقبل المسؤولية وتحمل الأعباء شبه معدومة إلا عند من يشاء له ربي النجاة من براثن الفكر الفاسد. إن استمرار النجاح في تحقيق المكاسب رغم استخدام الوسائل غير الأخلاقية في تحقيقها وهو ما يحول المجتمع بأسره إلى حالة من التمسك بالنهج الأسهل لمواجهة كل المشكلات التي تقذفها الحياة في وجوهنا. يمكن أن نقيس على ذلك كثيرا مما نشاهده اليوم بين ظهرانينا، ولهذا فإن تحمل الخطأ وعواقبه مهم في التربية والتعامل المجتمعي الذي ينتج لنا في النهاية المواطن المخلص الصادق وهو الذي يمكن أن تبني عليه الدولة حضارتها باعتماد الاستقامة والصدق وتحمل المسؤولية والمواجهة الشجاعة لكل المصاعب والتحديات. هنا نعود للبداية التي وطأت بها لمقالي وهي مسؤولية الكبار في تعليم الصغار وصعوبة الهروب من نتائج قراراتنا، وعليه جاء قول المصطفى ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ "عفوا تعف نساؤكم".
إنشرها