متى نصبح أفضل مكان للعمل الرائع؟

عندما أتحدث عن تجربتي في المشاركات لتطبيق معايير أفضل بيئة عمل، كان ذلك تحديا لذاتي وفريق عملي، ولمعرفة ما أفضل الممارسات التي تطبق في مجال الموارد البشرية، لأصل إلى بيئة عمل فاعلة ومميزة لتحقيق النجاح الداخلي في المنظمة، التي تنعكس على كوادرنا البشرية وبيئة عملنا، وتجعلنا نذهب إليها كل صباح بحب لإنجاز الأعمال باحترافية وشغف.
بدأت بالاطلاع على تلك المتطلبات التي ستعكس دور الموارد البشرية في المنظمة، واكتشفت أن هناك عوامل عدة مترابطة لتوثيق العمل وفق استراتيجيات، ودور الموارد البشرية والتدريب والتطوير الوظيفي، وما دور الرواتب والامتيازات في تحقيق ذلك وانعكاسه على المنظمة والموظف، وإدارة الأداء الوظيفي، وأسلوب التوظيف والاختيار، وأهم دور في ذلك علاقات الموظفين، واستخدام التقنية التي تسهل كل العمليات للموظفين والمنظمة.
هنا يعتقد القارئ في الوهلة الأولى أن الأمر غريب أو تجاري بحت، وأنني أسوِّق لمنتج، ولكن عزيزي القارئ أكمل هذه المقالة وستجد اختلافا، وستشعر بحماسة لخوض التجربة والاستمتاع بشيء يحقق طموحاتك التي نتمنى أن نراها في منظمات ومنشآت في المملكة العربية السعودية ومتوافقة مع "رؤية المملكة 2030".
لذلك دعوني أتعمق وأغوص في المتطلبات الدقيقة والمقاييس المعمول بها في اختيار المنظمة للدخول والحصول على هذه الجائزة "أفضل بيئة عمل"، حسب منهجية Great Place to Work®، التي أجد فيها تحديا كبيرا، وكذلك أجد احترافية وابتكارا وعدلا ومساواة وطرقا وأساليب متبعة من بيوت خبرة، تقدم المشورة والاستشارة في تحقيق ممارسات صحيحة، وتوجد بيئة عمل سليمة ومميزة للموظف وللمنظمة.
ولكي تكون من تلك المنظمات أو المنشآت، لا بد أن تطبِّق تلك المقاييس كي تحقق هذه المنظمات والمنشآت المقياس الصحيح. والانعكاس هنا يقاس على 70 في المائة عامل ثقة الموظفين، والأبعاد التي تعتمد على هذه المنهجية مميزة جدا، ويجب أن تطلعوا عليها، وهي عامل الثقة بالمصداقية والاحترام والمساواة، الذي ينعكس على الموظف في الفخر بالذات والفريق المشترك مع فرق العمل، وسمعة المنظمة في المجتمع والزمالة في الانسجام والحفاوة الاجتماعية، والترحيب والإحساس بجو العائلة، أما الـ 30 في المائة المتبقية فتقاس على مستوى المنظمة أو المنشأة وإدارة مواردها البشرية في الإجراءات والسياسات الإدارية الواضحة، وسلم الرواتب، وتدريب وتطوير الكوادر البشرية وفق برامج احترافية، والاختيار السليم للكوادر، واستبقاء مسار وظيفي واضح، وتهيئة البيت من الداخل، و"العدل والمساواة" في توزيع المكاتب والخدمات الإدارية المساندة والميزات المقدمة للموظفين إلخ..، كل هذا ينعكس على الـ 70 في المائة الأخرى في قياس عامل الثقة لدى الموظفين عبر استبيان موجه لهم، يبين مدى رضاهم عن بيئة عملهم، وهذا هو السهل الممتنع لتحقيق ذلك.
لذلك لا بد أن نكشف الفرق بين المنظمة أو المنشأة الرائعة والمنظمة أو المنشأة الجيدة، وأستذكر في ذلك أن جنيفر روبين والدكتور مايكل بورشل، الخبيرين في "أفضل بيئة عمل"، وضعا مفهوم مكان العمل الرائع. فهما يوضحان أن الأمر لا يقتصر على دفع رواتب ضخمة وعلاوات باهظة، فمكان العمل الرائع هو الذي يثق فيه الموظفون بالأشخاص الذين يعملون لديهم، ويفخرون بالعمل الذي يؤدونه، ويستمتعون بصحبة الأشخاص الذين يعملون معهم. واستنادا إلى الأبحاث التي أجرتها الشركة، وهي شركة
Great Place to Work® "جرايت بلايس تو وورك"، على مدار عقود، يشرح المؤلفان كيف يمكن للمديرين ورواد الأعمال إيجاد القيم الأساسية المتمثلة في الثقة، والفخر، والمودة، وتأكيدها في كل تواصل، وكل قرار، وكل تعامل، إذا كانت منظمتك أو منشأتك تبذل قصارى جهدها لمواجهة تحديات الاستفادة من رأس المال البشري، واكتشاف الأسباب التي تجعل لبعض المنظمات أو المنشآت مقومات تجعلها أماكن عمل رائعة وما يمكن أن تتعلمه شركتك منها، لذلك أنصح أصحاب التغيير والذين يرغبون في بناء مكان عمل رائع بقراءة الكتاب وهو The Great Workplace. سيوضح هذا الكتاب للقارئ الفرق بين البيئات الرائعة والجيدة والمتوسطة والسيئة، وما هي الحاجة إلى بيئة العمل الرائعة، وما سيعكسه على تلك المنظمات والمنشآت من النجاح والعائد على الكوادر البشرية، إذ ستزيد إنتاجيتهم لتحقيق أهداف تلك المنظمات والمنشآت على صعيدها الاستراتيجي والمالي والإنتاجي والبشري.
لذلك دعوني أتحدث بصراحة في هذا الأمر: متى يفهم أصحاب تلك المنظمات والمنشآت أن الأمر لابد أن يتغير؟ لا بد من تطبيق تلك الممارسات، وذلك من خلال إنشاء بيئة عمل جاذبة مريحة فاعلة وابتكارية، تحفّز الكادر البشري على الإبداع والانطلاق والتطوير. لماذا لا يكون هناك هيكل إداري مرن، وإدارات متجانسة متعاونة تحقق للمنظمة أهدافها وفق استراتيجيتها؟ لماذا لا تفك عقدة المدير والموظف والعمل كفريق عمل؟ لماذا لا تكون هناك زيارات تبادلية بين المنظمات والمنشآت الساعية إلى التغيير والتطوير والتي تبحث عن التقدم؟ وتكون تلك الزيارات مبنية على التصحيح والاستفادة حتى لو كانت خارج المملكة. الخوض في التجارب الناجحة، ونقل الخبرات، والتعرف عليها يجعلنا ننجح في إيجاد بيئة عمل رائعة. في هذا الجزء من نقل المعرفة والتواصل من أجل النجاح المشترك، يجب تغيير ثقافة العمل، من خلال خلق منافسة صحية بين المنظمات أو المنشآت للتحسين المستمر وتبادل الخبرات، عوضا عن وجود الحساسية المفرطة في التخوف من المنظمات أو المنشأة التي أظهرت نتائج أفضل، أو إذا لم تكن المنظمة أو المنشأة هي الأولى على صعيد قطاعها. أما العمل المشترك لتحسين بيئات العمل، فيجب أن يكون عملا تطويريا بحتا، تتسابق فيه المنشآت في ابتكار أدوات وآليات للتحسين المستمر، ورفع مجتمعنا بصفته الكلية نحو آفاق غير مسبوقة.
هنا نعود لتلك المنظمات أو المنشآت التي طبقت هذه المنهجية وحققت المراكز الأولى، لماذا لا نكتشفها؟ لماذا لا نكسب الخبرة منها وننطلق من حيث وصلوا؟ ونرى ذلك في كثير من المنظمات والمنشآت السعودية التي نفتخر بها من جميع الفئات حكومية، وخاصة والقطاع غير الربحي، من مؤسسات مانحة أو مؤسسات وجمعيات خيرية. تبذل الدولة جهودها مشكورة لتحقيق "رؤية 2030"، ومن هذا المنطلق علينا العمل لتحقيقها، وفق بناء بيئة عمل جاذبة ورائعة. وتكون أفضل بيئة عمل سعودية تفوق التصورات لتحقق النجاحات للمنظمة أو المنشأة ولكوادرها البشرية، وينعكس ذلك على مخرجات سليمة صحيحة تضاف إلى هذا البلد المعطاء، ولا مانع من الاستشارة والاستفادة من بيوت الخبرة لنحقق ما نطمح إليه.
هذا الأمر يتطلب منا اكتشاف ماذا نريد، وما مؤشرات القياس التي ستنعكس على بيئة العمل، ليتم الربط بينهما في مخرجات بيئة العمل الناجحة عبر الشركات المتخصصة في بيئة العمل، لتحقيق رؤية المملكة العربية السعودية، ودور القطاعات الحكومية والخاصة في ذلك السعي من الآن للتحول الوطني. فهو مطلب رئيس في تطوير منظماتنا ومنشآتنا لتحقيق "رؤية 2030"، وتستطيع تحقيق ذلك عبر المنتديات واللقاءات والمؤتمرات في هذا المجال لإيجاد بيئات العمل، وكذلك الشركات المتخصصة والاستشارية في تطوير بيئات عمل منافسة، إضافة إلى الرغبة في التغيير (أولا) وأخذ المبادرة.
في الختام أتمنى أن نرى بيئة عمل رائعة في منظمات ومنشآت المملكة العربية السعودية بجميع قطاعاتها، الحكومي، والمؤسسي، والخاص، أو غير الربحي، وأن ننافس المنظمات العالمية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي