مستقبل الصناديق العقارية في السوق المالية

السوق تنجح إذا ــــ وإذا فقط ــــ استطاعت أن تعكس حقيقة الاقتصاد الذي تعمل فيه، فالسوق المالية الجيدة هي التي تصبح مرآة صادقة للاقتصاد، وهذا لن يتحقق إلا إذا تمكنت السوق المالية من ضم كل القطاعات الاقتصادية لديها، أما إذا فشلت في ذلك كأن تهتم بقطاع دون آخر، فإنها لن تكون سوقا مالية بما في هذه الكلمة من معنى، نقول هذا بمناسبة إطلاق أول صندوق استثمار عقاري متداول في السوق المالية السعودية خلال الأسبوع الماضي. فالسوق المالية هي جزء أساس من قطاع التمويل في أي اقتصاد حديث، ولعقود كانت هذه الوسيلة المهمة معطلة تماما في المملكة، وكانت تحت قيود ضخمة، لكن منذ العقد الماضي تخلخل كثير من تلك القيود مع إنشاء هيئة السوق المالية وشركة تداول، وخلال سنوات معدودة استطاعت السوق المالية إعادة هيكلة نفسها، وأضافت عديدا من القطاعات للسوق المالية من خلال إعادة تقسيم القطاعات في السوق إلى 15 قطاعا، وهذا يعني أن السوق المالية توفر معلومات وغطاء تمويليا لأكثر من 15 نوعا من الاستثمارات المباشرة، فرجال الأعمال قادرون الآن على اختيار النشاط من خلال دراسة المعلومات المتوافرة في السوق المالية عن كل قطاع وأرباحه وإسهامه، فالسوق كما قلنا هي مرآة الاقتصاد، التي تمكن رجال الأعمال من إنشاء الشركات المساهمة، التي تمكنهم من إطلاق أعمالهم أو من خلال توسيع أنشطتهم بالتحول إلى شركات مساهمة، ثم تمت إضافة سوق للسندات وهي خطوة واسعة لتطوير السوق، وتوفير بدائل تمويلية.
السوق العقارية في المملكة تعد وجهة استثمارية واضحة، ومع ذلك فإن السوق المالية لم تعكس حقائق هذا القطاع تماما خاصة مجال الاستثمار فيه، فالقطاعات المتوافرة في السوق تقدم معلومات عن الإنشاء وعن شركات التطوير العقارية لكن منظومة الاستثمار العقاري نفسها ظلت غائبة عن السوق، والآن مع إطلاق أول صندوق استثماري عقاري فإن السوق المالية ستقدم مؤشرات أكثر فائدة عن هذا المجال المهم في اتجاهات الاستثمار في المملكة، كما أنه يوفر وسيلة ممتازة من أجل إزالة العوائق الاستثمارية في هذا المجال، فالاستثمار في الصناديق العقارية لم يتحكم في المسار المنشود منذ إطلاق اللائحة المنظمة له، ولم تزل هناك بعض العوائق أمام الرجل العادي للاستثمار، لكن بهذا الصندوق وما وعدت به شركة تداول من دخول صناديق أخرى قريبا، فإن الحراك في هذا المجال سيشهد تطورا لافتا، كما أن هذه الصناديق ستمثل مدخلا مناسبا جدا لمن يرغب في الاستثمار العقاري في المملكة من الأجانب، وذلك دون مواجهة العوائق القانونية التي تحول دون تملكهم العقارات في المملكة.
من المهم معرفة أن هيئة السوق المالية حريصة على أن يكون دور الصناديق الاستثمارية العقارية هو تطوير العقارات في المملكة وليس تحقيق نمو من خلال احتكارات الأراضي وإعادة بيعها، بمعنى أن الهدف من هذه الصناديق ليس المضاربة على العقار بل هو بناء المجتمع والبيئة، ولهذا فقد جاءت تعليمات هيئة السوق المالية بأن على هذه الصناديق الاستثمار في مختلف أنواع العقار السكني والتجاري والصناعي والزراعي ولكن يحظر عليها الاستثمار في الأراضي البيضاء، بل عليها أن تسعى إلى تملك العقارات وتطويرها وتأجيرها مثل "المعارض" والمكاتب والفنادق. كما أن هيئة السوق المالية تقضي بالاستثمار في عقارات مطورة تطويرا إنشائيا تكون (كشرط) قابلة لتحقيق دخل دوري وتأجيري. وعلى هذه الصناديق توزيع 90 في المائة على الأقل من صافي أرباحها السنوي على ملاك الوحدات سنويا.
ومع أن هيئة السوق المالية تجبر الشركات جميعها على استخدام التكلفة التاريخية لقياس الأصول فإن على هذه الصناديق إصدار تقييم خاص بعقاراتها عند القيمة العادلة، ومع ذلك فإن القلق قد يساور السوق حيال تقييم الصناديق لفترة وستبقى هذه المسألة مرهونة بالمستقبل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي