Author

ظاهرة تسابق الجامعات في منح الدرجات العليا

|
إن حصول أعداد كبيرة من أبنائنا على شهادات أكاديمية عالية بطريقة بعيدة عن المنهجية العلمية لأمر في غاية الخطورة. الدرجات العلمية العالية التي يحصل عليها المواطن السعودي من الجامعات الحكومية وغير الحكومية في الداخل تستدعي الوقوف عندها كثيرا وتتطلب منا الحيطة والحذر والغيرة على مستقبل التعليم العالي في بلادنا. ولكن كيف نحمي مجتمعنا من الحصول على هذا التعليم الرديء الذي انتشر انتشار النار في الهشيم لأسباب عدة منها: تخلف مؤسسات التعليم العالي إداريا وتنظيميا، وعشوائية تقديم خطط وبرامج الدراسات العليا في بعض جامعاتنا، وسوء اختيار القيادات الأكاديمية. أرى أن هناك عدة أطراف تتقاسم مسؤولية منح الدرجات العليا (ماجستير ودكتوراه) في الجامعات لمن يستحق ومن لا يستحق، انتظام جزئي، أو كلي، تقليدي أو من بعد منها الطلاب أنفسهم، والجامعات، وجهات التوظيف. فهذه الأطراف جميعها تشترك في تفاقم هذه الأزمة التي أضرت بالتعليم العالي وسربت عددا من حاملي هذه الشهادات إلى مواقع قيادية وأكاديمية حساسة، إلا أن الجزء الأكبر يقع على عاتق الجامعات وتتحمل هي المسؤولية الأكبر لعدة أسباب منها: 1. عدم نضج برامج الدراسات العليا في بعض الجامعات السعودية فأغلبيتها خطط معتمدة لم تأخذ حقها ووقتها من الدراسة. 2. التساهل الكبير في متطلبات برامج الماجستير والدكتوراه. 3. عدم تفعيل القوانين واللوائح للاستفادة من أعضاء هيئة التدريس المتميزين على مستوى العالم الذين اكتسبوا خبرات علمية عالية من أعرق جامعات العالم. 4. دخول المال في التعليم في برامجنا الأكاديمية دون إعداد مسبق للبيئة التنظيمية وللسلوك التنظيمي في الجامعات. ورغم أن جامعاتنا تمر الآن بمرحلة عجز وشيخوخة مبكرة فقد بان خورها وتقادمت لوائحها وتحتاج إلى إعادة تنظيم وترتيب أوراق، إلا أنني في هذه العجالة سوف أقدم مقترحات وآليات لعلها تسهم في التغلب على أزمة برامج الدراسات العليا الهشة التي لم ندرك خطورتها بعد: 1. يجب اتخاذ قرار عاجل بمنع هذا النوع من التعليم ولا مانع من الاستعانة بجهات خارج الجامعات مثل هيئة الاعتماد الأكاديمي والجهات الرقابية في وزارة التعليم لإيقاف هذه المهازل ومعاقبة كل من تسبب في اعتماد برنامج لا يرتقي لمرحلة الدراسات العليا. لو استمر الوضع بهذا الشكل فقد يتطور الوضع حتى يصبح الحصول على دكتوراه في الطب من قسم حديث لم يخرج طلاب بكالوريوس يعد أمرا مألوفا. وبذلك ستفقد جامعاتنا بريقها وسينظر إلى الأمر على أنه مال مقابل ورقة (شهادة). 2. يجب مساءلة من يثبت لجوؤه لهذا الترف ومن يقدم برامج ضعيفة للدراسات العليا ويستغل المرونة التي تتمتع بها الجامعات في هذا المجال. فمن يفعل ذلك يشابه إلى حد كبير من يقدم أغذية فاسدة منتهية الصلاحية أو من يرتكب جريمة الرشوة أو التزوير أو غسل الأموال. فاجأنا المدير الإقليمي لشركة سعودية عملاقة بحصوله على الدكتوراه وهو على رأس عمله وبدأ موظفوه يشقون طريقه نفسها. 3. يجب إعادة تقييم برامج الدراسات العليا، فبعض الجامعات السعودية غير مؤهلة لتصميم وتنفيذ هذا النوع من البرامج فتغطي عجزها باسترضاء الطلاب وتخفيض متطلبات القبول. 4. التعاقد مع جامعات أجنبية ذات خبرة في مجال التعليم العالي للإشراف على برامج الدراسات العليا في الجامعات السعودية حتى يتسنى لأبنائنا الحصول على تعليم محلي جيد بمواصفات عالمية ومهنية عالية خال من الفوضوية والعشوائية فليس كل من يحمل الدكتوراه مؤهلا لأن يصمم أو يقوم بالتدريس في برنامج للدراسات العليا. هذا النوع من البرامج يحتاج إلى أستاذ قضى شبابه في قاعات الدرس ونشر الأبحاث وتتبع المؤتمرات بهدف الاستفادة لا بهدف السفر والترفيه. 5. بعد تقييم برامج الدراسات العليا، تنفذ مقابل مبالغ مالية تمنح لأعضاء هيئة التدريس الجادين والمتفوقين بغض النظر عن جنسياتهم النصيب الأكبر، وألا تستغل الجامعة إيراد هذه البرامج وتستحوذ على نصيب الأسد وتبقي الفتات للأستاذ. فقد فشلت البرامج الأكاديمية التي بخست أعضاء هيئة التدريس حقوقهم وعاملتهم في المستحقات المالية كما تعامل معاهد التدريب حاملي الثانوية العامة. للجامعات مخصصات مالية ضخمة ضمن الميزانية العامة للدولة فإذا لم تستطع توظيفها التوظيف الجيد تلجأ إلى استغلال عضو هيئة التدريس لتوفير مزيد من الأموال. 6. ضبط إجراءات الابتعاث الخارجي في الجامعات وخارج الجامعات، حيث يكون حكرا على المعيدين والمحاضرين والمتميزين من خريجي مؤسسات التعليم العالي، وأرى أن يبتعث المعيد دون المرور بهذه اللجان، وإذا لزم الأمر فيقدم قبولا للغة الإنجليزية يعتمد مباشرة من مدير الجامعة وليس لأي جهة حق الاعتراض، وعند إنهاء فترة اللغة ينسق مع المشرف في الملحقية الثقافية للحصول على قبول للدرجة العلمية المبتعث من أجلها ليستفيد الطالب ويستفيد الوطن من سرعة الإنجاز. فهل تعلم أن نسبة كبيرة من أعضاء هيئة التدريس السعوديين يحصلون على الدكتوراه بعد تجاوزهم سن الـ40 عاما يقضون أغلبية حياتهم الوظيفية قبل الابتعاث في التعقيدات الإدارية وممارسة التملق والمجاملات للجان الابتعاث، وبعد الابتعاث يقضونها في التسلق للمراكز الإدارية ويبتعدون عن العمل الفعلي لعضو هيئة التدريس. بهذه الآليات وبغيرها يمكن أن نقدم لأبنائنا تعليما عاليا راقيا تحت إشراف أكاديميي موثوق به وسوف تختفي العشوائية والجهات التي تروّج لهذا التعليم الهزيل الذي يظهر أن هدفه المبطن تجهيل الناس وبيع الوهم لهم على هيئة درجات علمية يطلق عليها الماجستير والدكتوراه.
إنشرها