Author

هل من تكامل خليجي في ظل التحديات الراهنة؟

|
لعل من الأهمية بمكان طرح تساؤل مهم حول مجلس دول التعاون الخليجي، والعمل الخليجي المشترك: هل التهديدات الآنية، هي أهم دافع لدول الخليج من أجل تعزيز وحدتها ومؤسساتها وقوانينها المشتركة؟ والإجابة عن مثل هذا السؤال تحتاج إلى تفصيل.. صحيح أن للظرف دوره المهم في تسريع تلكم الجهود، بيد أن القاعدة الأساسية المشتركة موجودة في العناصر الصلبة أو الثابتة، وأهمها الجغرافيا والثقافة والدين والتاريخ واللغة، ويأتي معها الإنسان الخليجي، هذا الإنسان الذي عاصر عديدا من الأحداث الدولية والإقليمية والداخلية، وشهد في الـ 100 عام الأخيرة عديدا من التغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، التي أثرت في طريقة حياته وإدراكه، وطريقة نظرته للعالم من حوله. وبلا شك أن الظروف والمتغيرات الإقليمية والدولية، من الدوافع المهمة لتعزيز العمل الجماعي في المؤسسات، وكذلك فيما يتعلق بالسياسات. ولا شك أن تطوير الداخل الخليجي، يعد من أهم المفاتيح، التي ستؤثر في تعزيز قوى دول الخليج، وإعادة رفع مكانتها استراتيجيا، حتى تتغلب على انخفاض سعر النفط، الذي أثر في مكانة دول الخليج في معادلات القوة المادية. تخطو دول الخليج خطوات إيجابية في مجال المؤسسات المشتركة وكذلك السياسات، ويحتضن مجلسها عددا كبيرا من اللجان، التي تسعى لبحث المصالح والسعي لتوحيد السياسات أو التنسيق بين المؤسسات الداخلية لدول الخليج، وكذلك تجدر الإشارة إلى التطور المتوقع كذلك في مجال الإحصاء الخليجي، الذي سيعود بالنفع على كل المؤسسات المشتركة، وكذلك السياسات التنموية، علاوة على أنها ستكون بيانات مفيدة للباحثين والقطاع الخاص والأمن والتنمية بالمفهوم الشامل. وتسعى دول الخليج من خلال المجلس للعمل على استراتيجيات متنوعة، تسعى لتحقيق الرفاهية لدول المجلس، ومن ضمنها استراتيجية للمياه والكهرباء والنقل، وكذلك الجهود المستمرة، التي تهدف إلى توحيد السياسات في التجارة وتملك الأراضي لمواطني المجلس. بيد أنه من جهة أخرى لا تزال السياسة الخارجية تحتاج إلى مزيد من التنسيق المشترك، ولا سيما مع وجود مراقب دائم لمجلس التعاون في الأمم المتحدة، وكذلك بعثة في الاتحاد الأوروبي وفي كل من جنيف وفيينا أيضا. ويستلزم توحيد السياسات الخارجية أن يتم التوصل إلى الأسس الفلسفية والمنهجية، التي تعرف بها دول الخليج، أمران مهمان من شأنهما قيادة دول الخليج نحو الأسس المنهجية لتكوين سياسات المجلس المشترك، الأول هو تعريف المصلحة والآخر هو تعريف الخطر والأمن، ولا شك أن من خلال هذين التعريفين والإجراءات والأطر المنهجية ورسم السياسات الواضحة من خلال العقيدة السياسية والأمنية المشتركة، ستسهم كثيرا في وضع الحد الأدنى لتوحيد السياسات، وبالتالي يبنى على تلك الأسس ويسهم بعد ذلك في تنويع البدائل ومعرفة الأدوات الناعمة والصلبة التي يمكن استخدامها من أجل تعزيز المصالح وتجنب الأخطار. ومن الخطوات المتقدمة كذلك في المجلس في مجال العمل المشترك، أن يحق للمواطن الخليجي العمل في دول الخليج، وكذلك الرجوع للمجلس في حالة وجود إشكاليات تتعلق بالمواطن الخليجي في دول الخليج كمرجعية عليا. هنالك كذلك مؤشرات للتوسع في المؤسسات الخليجية، مثل ما يتعلق بالمواصفات والمقاييس، وربما يتبعها كذلك ما يتعلق بالغذاء والدواء حتى تتوحد المؤسسات الخليجية، وكذلك السياسات، وهذا يتطلب تنسيقا عاليا ورفعا كذلك للأداء حتى يتماشى مع أعلى المعايير المطبقة عالميا. ومع الأنظمة الجديدة الخاصة بالتملك والتوظيف، وخلجنة الوظائف، ستؤدي لا محالة إلى تأسيس المحاكم الخليجية، وربما كذلك تتطور إلى نقل سلطات عليا لبعض المحاكم، تحت مسمى المحكمة الخليجية العليا كنتيجة للتطوير المؤسساتي والنظامي والإداري بين دول الخليج. والزمن بلا شك كفيل بأن يجعل تلك المؤسسات والأنظمة تكتمل بشكل أفضل، وإنضاج تلك اللوائح التنفيذية والقوانين من أجل تحقيق مواطنة خليجية تضمن حقوق الإنسان الخليجي، وتعمل على دعم واستقرار ورفاهية المواطن، ولا شك أن التجارب التاريخية، إذا ما أخذنا مقارنة بين الاتحاد الأوروبي الذي بدأ باتفاقية الصلب والفحم عام 1952 والتجربة الخليجية التي بدأت عام 1981، تدل على أن الجهود الخليجية قادرة على تحقيق ما يتطلع إليه مواطنو دول المجلس.
إنشرها