Author

عن الاعتدال والشباب والمجتمع

|
كنت في ورشة عمل عن الاعتدال، التي نظمها مركز الأمير خالد الفيصل للاعتدال، وقد احتضنتها جامعة الملك عبد العزيز في مدينة جدة. ولا شك أن موضوع الاعتدال ومواجهة التطرف أمر مهم لصحة أي مجتمع وضمان استدامته. والاعتدال مفهوم واسع يتغير بتغير نظرتنا والطريقة التي نفكر بها، وبلا شك أن الاعتدال يحتم أن نتعايش جميعا بشكل سلمي من أجل خدمة الوطن، ذلك الشيء الكبير والعظيم الذي يجمعنا سويا. وكانت المشاركات متميزة ورائعة من كل من الأكاديميات والأكاديميين وأصحاب الخبرة في المجال، الذين أضفوا على الحضور ثراء معرفيا وميدانيا، وتحديا للأفكار النمطية، ووطنية عالية نفخر بها جميعا. ويعد الاعتدال أحد الموضوعات التنموية والأمنية المؤثرة في المجتمع، وهو أيضا موضوع ممتد وعابر للتخصصات، لا يحكمه مجال علمي واحد، بل ينهل من كل مجال يؤثر في حياة الفرد والمجتمع وكذلك الدولة. ولا شك أن استحداث المراكز العلمية المهتمة بذلك، لهو إضافة فريدة، إلى ما يجب أن يتوجه إليه البحث العلمي والمبادرات البحثية العملية والنظرية. ويعتبر الشباب هم لبنة المجتمع، وبالشباب تحيا الأمم وتقوى، ولذا فإن الاستثمار في الشباب استثمار في الدولة نفسها، من أجل توجيه طاقاتهم المختلفة في الطرق التي تحقق الإبداع والتميز الفكري والمعرفي والرياضي وكذلك مجال الهوايات والأنشطة المختلفة، حتى يشعر الإنسان بتحقيق ذاته، كما تحدث عن ذلك ماسلو في هرمه الشهير عن الاحتياجات الإنسانية، حين تحدث عن الحاجة إلى التنفس والغذاء والماء، والحاجات الجسمانية والنفسية والعاطفية، وكذلك الحاجة إلى تحقيق الذات، ولا شك أن للأخير لقاء وتقاطعا مع تحقيق فخر الوطن والمجتمع. وهنالك أمثلة كثيرة تدعو للفخر في كل منزل، وهذه ليست طوبائية، بل إن نماذج الفخر عديدة حتى على مستوى الأسرة والفرد، وهذا ما يدعونا إليه ديننا الحنيف في أعلى المبادئ السامية والمتسامحة. وعند تحقيق ذلك الإبداع تولد الاختراعات، وتنتج المشاريع، ومن هنا تأتي القيمة المضافة للاقتصاد، حيث يعزز الإبداع والاختراع الخروج باختراعات أو طرائق جديدة من شأنها تحقيق سد حاجة ما، أو تسهيل إجراء ما، وهذا ما يفيد الاقتصاد على المدى القصير وكذلك البعيد، كونه يسهم في إيجاد فرص عمل متعددة، قائمة على منظومة علمية وحديثة، ويدعم تكملة مثل تلك العلوم المتخصصة أو المهارات المتخصصة التي تحقق الازدهار. سعدت خلال الورشة بلقاء شخصيات متميزة ورائعة، أضفت على التنظيم المتميز والاحترافية في العمل بريقا إضافيا، ولا شك أن لمثل تلك الورشة أهمية لطرح الأسئلة الأكثر عمقا حول الاعتدال وكيف نفهمه، ونقنن له، ونعززه بالطرق الميدانية والبحثية. تزيد نسبة الشباب في المملكة على 70 في المائة من عدد السكان فيها، ولذا، فإن المبادرات والمشاريع التي تستثمر فيهم، لهي أولوية ومهمة ذات أبعاد متعددة الجهات، أي أنه ليست جهة واحدة هي المسؤولة عنها بل إن تكاتف عدد من الجهات ضمن خطة واضحة، سيسهم في توحيد الجهود واختصار الوقت والجهد والمال. إن مثل تلك المراكز والكراسي البحثية، لهي من أهم الأدوات التي تساعد المجتمع ومتخذ القرار على بحث المسائل المتخصصة، ولا شك أن الاهتمام بها ودعمها، ولا سيما من قبل القطاع الخاص، مسؤولية مجتمعية حتمية، ينبغي فرضها كجزء من قوانين الحوكمة الإلزامية على الشركات، التي تحتم على الشركات المدرجة في سوق المال الاستثمار والدعم المستمر لتلك المراكز، حتى يكون لتلك الشركات دور في تنمية المجتمع، وليس فقط التربح منه. وكذلك دعم الأوقاف البحثية لمثل تلك المراكز والكراسي البحثية، مع تطبيق مبادئ حوكمة وشفافية وقياس مخرجات في كيفية صرف المبالغ الوقفية لتلك المؤسسات. ما رأيته في معهد السياحة في جامعة الملك عبد العزيز كان مثالا يدعو إلى ما هو أبعد من الفخر. رأيت شبابا سعوديين، متميزين، ومحترفين يقومون بالأعمال الفندقية والإعاشة والتقديم، في أطيب وأجمل حلة، وأحسست بالفخر أننا وصلنا في هذا الميدان إلى هذا المستوى المتميز من الاحترافية والعمل الجاد. وقد زدت يقينا بأن الشباب السعودي قادر على أن يعمل ويتجاوز كل العقبات والتثبيط، بأن يحقق الكثير وينجز الأكثر عبر الإيمان بنفسه، والتفكير في تحقيق أهدافه، والعزيمة التي ستجعله يحقق ما يريد. وبالله التوفيق
إنشرها