Author

إصلاح الأمم المتحدة .. هل يعيد جوتيرس زمن همرشولد؟

|
على هامش الاجتماع الطارئ الذي عقدته منظمة التعاون الإسلامي أخيرا في مقرها الدائم بجدة طالب السفير طارق بخيت المتحدث باسمها بإلغاء حق الفيتو في مجلس الأمن أو تقييد استخدامه في القضايا التي تقع فيها جرائم إنسانية أو تمس الوضع الإنساني. مما قاله السفير بخيت نلتقط الخيط وندعو إلى ما دعا إليه من ضرورة إصلاح مجلس الأمن الدولي على أن تكون الخطوة الأولى إلغاء حق النقض "الفيتو" الذي تتمتع به حصريا الدول دائمة العضوية في المجلس، أو على الأقل تقييده حيث لا يستخدم إطلاقا ضد مشاريع القرارات الدولية ذات الصلة بالمعاناة الإنسانية. فلقد ثبت بما لا يدعو مجالا للشك أن حق النقض "الفيتو"، الذي منح للدول الخمس الكبرى بطريقة غير ديمقراطية عند تأسيس منظمة الأمم المتحدة سنة 1945، بل منح لها كنوع من الامتياز الهادف إلى ترغيبها في الانضمام إلى المنظمة الوليدة بعيد انتهاء الحرب العالمية الثانية، بات يستخدم من قبل هذه الدول في أمور تتعلق بحماية مصالحها الخاصة وتعزيز موقعها ونفوذها في الصراعات الدولية والإقليمية أو لوضع العراقيل أمام بعض الدول الحديثة كي لا تقبل عضوا في الأمم المتحدة "الفيتو الصيني لإعاقة انضمام منغوليا في الستينيات وإعاقة قبول بنجلادش في السبعينيات مثلا" أو لتجنيب دول حليفة عقوبات المقاطعة والعزل "الفيتوات الأمريكية المتكررة ضد أي عقوبات أو لوم بحق إسرائيل التي بلغ مجموعها 36 فيتو مثلا". ولقد حدث كل هذا دون أن تعير هذه القوى العظمى أدنى اعتبار للتكاليف والمآسي البشرية الناجمة عن استخدامها الفيتو. وشاهدنا هنا هو ما فعلته روسيا الاتحادية أخيرا وما فعلته سابقا بالاشتراك مع الصين في حادثة كانت الأولى من نوعها في تاريخ الأمم المتحدة لتعطيل حل يخرج سورية الجريحة من مأساتها الإنسانية المروعة. لقد منحت القوى الكبرى الخمس حق النقض في مجلس الأمن دون سواها من الدول الأعضاء على اعتبارها دولا مسؤولة وستراعي مصالح الكون في العدل والسلم والاستقرار والازدهار، وتدرك معنى انجراف العالم إلى الفوضى والحروب على اعتبار أنها جربتها بنفسها فاكتوت بنيرانها وتجرعت مرارتها وذاقت تكاليفها الإنسانية، لكن ثبت بالتجربة خلاف ذلك في أكثر من منعطف سواء خلال الحرب الباردة أو بعدها. ومن هنا تعالت الأصوات خلال العقدين الماضيين مطالبة بضرورة إصلاح هياكل الأمم المتحدة الهرمة وتجديد بنيتها ونظامها بشكل يحقق عدالة وتوازنا أكبر بين الأمم، ويمنح القرارات الصادرة من مجلس الأمن الدولي قدرا أكبر من الشفافية والموضوعية خصوصا بعد بروز قوى عالمية جديدة على الساحة الدولية خلاف القوى التي أفرزتها الحرب العالمية الثانية مثل الهند واليابان وألمانيا والبرازيل. غير أن هذه الأصوات، التي بنت حجتها على أن الفيتو أسهم في إضعاف وتقويض نزاهة الأمم المتحدة، وحال دون تمكنها من أداء دورها المنشود لجهة حل النزاعات الدولية، اصطدمت بمعارضة الدول الكبرى التي لا تريد التخلي عن امتيازاتها، ناهيك عن أن الأمناء العامين السابقين للمنظمة لم يتحملوا مسؤولياتهم في هذا الشأن بشجاعة ومثابرة خشية عدم التجديد لهم. لكن الأمل يتجدد اليوم مع اختيار الأمين العام الجديد البرتغالي أنطونيو جوتيرس. فالأخير رجل دولة وإدارة وصاحب خبرة طويلة في أروقة الأمم المتحدة، وعانى بنفسه كثيرا من العراقيل التي وضعت في طريقه بسبب الفيتو حينما كان مفوضا دوليا ساميا لشؤون اللاجئين ما بين عامي 2005 و2015. ومن يدري فقد ينتفض جوتيرس ويعمل باستقلالية فيعيد إلى الأمم المتحدة وهجها الذي انطفأ منذ زمن الراحل داج همرشولد ثاني أمناء المنظمة وأكثرهم كاريزما وحركة ونشاطا واستقلالية لحل الأزمات الدولية بعيدا عن إملاءات القوى الكبرى. ولا حاجة لنا هنا إلى التذكير بالدور الإيجابي للمنظمة أثناء زمن همرشولد في أزمات عالمية وإقليمية دون الرجوع إلى مجلس الأمن مثل الأزمة بين الصين الشيوعية والولايات المتحدة بسبب احتجاز الأولى مواطنا أمريكيا في عام 1955، أزمة السويس (1956)، والحرب الأهلية اللبنانية الأولى ونزول القوات الأمريكية على شواطئ بيروت(1958)، والحرب الأهلية اللاوسية (1959)، الخلاف الحدودي بين لاوس وتايلاند (1959) وصولا إلى أزمة الكونغو (1960) التي كانت سببا في مقتله.
إنشرها