Author

الاقتصاد الوطني: حجم التحدي

|
مستشار اقتصادي
تحاول المملكة في مرحلة مفصلية قيادة عملية تحول اقتصادي شاملة. عنوان التحول هو "الرؤية" ومادته برنامج التحول الوطني وما ينضوي تحته من مبادرات تتصل بجميع القطاعات في محاولة جادة للملمة الجسم الاقتصادي وإعادة هيكلته لتأسيس انطلاقة جديدة. التوجهات المعلنة وتحدياتها العملية مفهومة، التوجهات الإصلاحية واضحة ولكنها مرنة وقابلة للتعديل والتغيير حسب ما يطرأ من ظروف على دخل النفط أو أي ظروف أخرى طارئة. هيكليا المبادرات القطاعية هي لبنات البناء الجديد ولكن ما لم يعط حقه هو النسيج الذي يربط هذه المبادرات. اختارت الحكومة أن تكون القطاعات هي ميدان الإصلاح. عمليا تقوم السلطة المالية بالربط ولكنها لا تكفي إذ إن هناك فضاءات وفراغات تحتاج إلى نسيج قوي ومرن. لا أعرف إذا كانت كلمة نسيج هي الأنسب ولكن تجاوب وتفاعل القوى الاقتصادية يتم من بوابة تصرفات الفعاليات الاقتصادية (الأفراد والشركات والأجهزة الحكومية) وهذه بدورها تتحرك حسب تأثير حراك القطاعات المباشر وغير المباشر فيها. التصرفات وتأثيراتها لابد أن تكون أحيانا منطقية للفرد ولكنها بغير منطقية للوطن أو متضاربة لأسباب موضوعية مادية مثل الدفاع عن المصالح والسعي إليها والصعوبات الاقتصادية المعتادة وغير المادية مثل عدم وضوح الصورة والضغوط الإعلامية وحتى الإحباط. كل هذه الأعراض متوقعة خاصة في المراحل الأولى. لذلك هناك حاجة إلى شبكة أخرى ذات طابع اقتصادي للربط بين التصرفات والمؤثرات لخدمة الرؤية والبرامج القطاعية. هذا ما أقصد بالنسيج، كما أن كلمة نسيج تتضمن درجة من الحماية والتكامل في الجسم الاقتصادي وقابليته للاستمرار. خيوط النسيج كثيرة وقوة الشبكة تعتمد على قوتها وتوزيعها. هناك أنواع وألوان من هذه الخيوط بعضها مادي الطبيعة وبعضها إداري وبعضها مؤسساتي. اختلاف ألوانها وأنواعها يتطلب عملية نسج خلاقة ودقيقة. من هذه الخيوط "السوق" - سوق لكل شيء - فهناك سوق للأوراق المالية وهناك سوق للتعليم وهناك أخرى للمقاولات وهناك أخرى للأدوية وأخرى للمحامين وسوق للكتاب الاقتصاديين وهكذا، لابد من بناء أسواق متينة وسلسة من خلال درجة من التنافس والحماية والتوازن. أحد هذه الخيوط درجة الترابط الأفقي والرأسي في الاقتصاد، فلابد أن تكون سعة الاقتصاد متوازنة بين التنوع والعمق. من هذه الخيوط أيضا هيكل الحوافز المادية والمعنوية بحيث تصل رسائل صحية للجميع حيث لا تكون الوظيفة الحكومية ملجأ. من هذه الخيوط الحالة الذهنية نحو التعليم، إذ لا أحد يختلف حول رفع مستوى التعليم ولكننا لا نفرق بين التعليم في ذاته والتعليم كمدخل للعملية الإنتاجية وبالتالي لا نستطيع مواجهة حقيقة أن نصف طلاب الجامعات والبعثات في المكان غير المناسب. أحد الخيوط يتمثل في نسبة المحتوى الوطني في الصناعة، إذ تحدد مدى القدرة على ارتقاء سلم المعرفة التقنية. هناك مجموعة أخرى من الخيوط ذات طابع مؤسساتي مثل درجة التوازن بين العدالة المجتمعية والمنافسة التي ظهر أحد تجلياتها في التعامل مع الرسوم على الأراضي. خيط آخر يتمثل في العلاقة بين القطاعين العام والخاص من منظار تعاوني وليس منظار الريعية أو عدم الثقة (Saudi Inc). الأبعاد المؤسساتية حاضرة تقريبا في كل خيط فبعضها تعبير عن خيارات مجتمعية في مرحلة معينة وبعضها مسعى مستدام. الرؤية تجسيد للروح القيادية وإدارة القطاعات عمل تكنوقراطي ضروري لإعادة هيكلة الاقتصاد على أسس جديدة. ما أقترحه بمراجعة النسيج وتعقب خيوطه محاولة لإكمال الدائرة. الهدف هو السيطرة على العملية الاقتصادية. النسيج يحمي الرؤية وإدارة القطاعات لخدمة الأهداف العامة للارتقاء بالمجتمع عامة والاقتصاد خاصة. عمليا هناك أكثر من طريق لتفعيل هذه الخيوط. أحد الطرق يتمخض في تأسيس مؤسسة فكرية على درجة من الاستقلال ( الاقتصادية: متى تؤسس المملكة مركزا فكريا؟ 2013/6/2 ) أحد الطرق يأتي من خلال حلقات النقاش وورش العمل التي تساعد على الإمساك بهذه الخيوط ومتابعتها ونسجها. أحد الطرق يتمخض في قبول الصوت المختلف والصريح في كل اجتماع وفرصة. البناء المؤسساتي يتطلع إلى مؤسسة فكرية ولكن جوهر الموضوع أهم من مؤسسة شكلية. نحن نسير في الاتجاه الصحيح ولكن لابد من غلاف منسوج بدقة وإبداع لحماية الجميع.
إنشرها