Author

المشاريع المتعثرة .. وأساليب طرح المناقصات

|
كما هي الحال دائما، لا توجد معلومات دقيقة وبيانات من مصادر رسمية حول مشكلة التعثر في المشاريع، لكن من الواضح جدا أن أكثر نسب التعثر في وزارتي التعليم والصحة، على الرغم من أنهما أكثر وزارتين اهتمت بهما الدولة في العقود الماضية، ومع ذلك حتى الآن مستوى الرضا محدود وبلغت المشاريع المتعثرة قريبا من ثلاثة آلاف مشروع، وهذه المشاريع كافية - إذا أنجزت - أن تحقق لأي بلد دفعة حضارية كبيرة، وهي قادرة على أن توقف عجلة التطور إذا هي توقفت، وبين مخاطر أن تتوقف والأمل في أن يتحقق لنا ما نطمح إليه، تبقى هذه المشاريع وغيرها مصنفة كمتعثرة. لا توجد كلمة أحبطت المجتمع خلال العقد المنصرم، ومع انتهاء الطفرة النفطية الثانية مثل عبارة "مشروع متعثر" ، لكن لعل فيما أشار إليه ممثل الاتحاد الدولي للمهندسين الاستشاريين "فيدك" وعضو الهيئة السعودية للمهندسين، أن الحل هو بتطبيق عقود "فيدك"، حيث أشار إلى أن العقود التي تطبقها تنتهي بنسبة نجاح في تنفيذ المشاريع بلا تعثر أو منازعات لنحو 90 في المائة، فيما قد تنتهي 10 في المائة منها للتخارج وفض المنازعات للأطراف. فتطبيق عقود "فيدك" إذا سيقضي على تصنيف "متعثرة" ويخرجه من قاموس المشاريع الحكومية، فالمشروع وفقا لهذه العقود إما منجزا وإما تم التخارج وفض النزاع عنه، وبالتالي يمكن إسناد المشروع إلى شركات ومقاولين آخرين للإنجاز، فلا يبقى مشروع لمدة تقارب 11 سنة بين سنة مالية وأخرى بسبب عدم فض النزاع والتخارج بين الأطراف. لقد طبقت مشاريع النقل العام في المملكة عقود "فيدك" ولهذا تبقى مشاريع النقل العام الأقل تعثرا، وهذا مؤشر قوي على نجاح هذه العقود، لكن ما عقود "فيدك" هذه؟ عقود "فيدك" هي عقود هندسية قانونية، وتسمى عقود "فيدك" نسبة إلى الاتحاد الدولي للمهندسين الاستشاريين "فيدك" (FIDIC) فهي ليست مثل العقود الحالية التي تمثل سلسلة عقود منفصلة عن بعضها بعضا أعدت وفقا لأنظمة المشتريات الحكومية، وهي تغفل الأدوار المتشابكة والمراحل المختلفة للمشروع، بل هي عقود شبه عامة تطبق على كل العقود الحكومية، ولهذا تظهر المشكلات في تطبيق هذه العقود الحكومية مع تقدم المشروع وتعقد مراحله وتقلبات الأسعار، كما أن العقود الحكومية لا تجيز التحاكم ولا تخصص له مراكز في العقد، بل تطبق الشروط التي قد تضر جميع الأطراف وتتسبب في الكثير من التعثر. عقود "فيدك" بالمقابل عقود هندسية الطابع في إطار قانوني ملزم، وهي تضع كل التفاصيل والمسؤوليات في عقد واحد سواء على صاحب العمل أو المقاول المنفذ أو المهندس المستشار، وعلى المقاول أن يخضع لملاحظات المهندس المستشار، وفي حال ظهرت الحاجة إلى إجراء تغيرات إنشائية وهندسية فإن العقود تجيز ترتيب بعض الأوامر لإجراء التغيرات الضرورية وللمقاول أن يطالب في بعض الحالات بما يسمى العطل والضرر الذي لحق به أثناء تنفيذ المشروع لكيلا تحسب مدة التأخير من مدة تنفيذ المشروع المنصوص عليها في اتفاقية العطاء، وذلك تفاديا للغرامات المترتبة على أيام التأخير. لعل من أهم مزايا عقود "فيدك" أنها ذات جانب دولي فهي تغطي المشاريع التي تنفذها شركات دولية، ولقد عانت المملكة في فترة سابقة من المشاريع التي تتعثر فيها شركات أجنبية، مع عدم وضوح آليات التقاضي وعدم الموافقة على بعض التعديلات التي كانت ضرورية لإنجاز الأعمال مع غياب تام لدور المستشار في القضية. وعلى كل الأحوال فإن معاناة الاقتصاد السعودي من المشاريع المتعثرة بلغت حدا عطّل مشاريع التنمية تماما، وأعادت البنية التحتية إلى المربع الأول، ونحتاج إلى حلول شاملة لكل القضايا الشائكة في هذه المسألة فلم يكن التمويل مشكلة في فترة ما كما كنا نعتقد. فلقد كانت الدولة تمول بسخاء كبير، لكن ظهرت لنا قضايا متشابكة أخرى مثل ضعف العقود القانونية وعدم مناسبتها للمشاريع الإنشائية، وما يقتضي الحال من تعديلات، كذلك أساليب طرح المناقصات وضعف المواصفات والتخطيط لها، والأهم هو تطبيق لائحة المشتريات الحكومية مع ضعف كل السوائل المساندة لتطبيق مثاليتها.
إنشرها