Author

إدارة المخاطر .. عندما لا نأتي ولو متأخرين

|
عضو اللجنة المالية والاقتصادية ـ مجلس الشورى
تحدثت في مقالات سابقة عن مشكلة التقارير التي تعصف بالإدارة العامة (الحكومية) في المملكة، وهي السبب الأساس في كثير من الغموض الذي نشعر به وصعوبات التخطيط، فلا أحد يعرف على وجه الدقة كم هي المؤسسات الصغيرة فضلا عن المتناهية الصغر، ولا أين تتركز قطاعاتها، ولا نعرف فعلا كم حجم الوظائف فيها، وإذا أردت الحق فلا يوجد تصنيف ومعيار نظامي معترف به نقسم به الشركات إلى متوسطة وصغيرة وأقل من ذلك، نحن لا نعرف كم حجم الوظائف الكافية لتشغيل الاقتصاد السعودي، وقد لا نعرف بشكل قاطع لكن يجب أن يكون لدينا حتى مؤشرات مقبولة عن ذلك، لكن هذا مرتبط بمشكلة أكبر فنحن لا نعرف فعلا كيف نقسم الاقتصاد إلى قطاعات، بمعنى ما هو الحد الفاصل بين قطاع إنتاجي وآخر خدمي، أو بين شركة تصنف خدمية وأخرى إنتاجية؟ وللحقيقة لا أعرف كيف ستتمكن الجهات الحكومية من فصل وظائفها لتحدد لنا ما هو الذي يمكن خصخصته من غيره؟ فالأمور ليست بهذا الوضوح الذي نظنه، فنحن أمام مشكلة التقارير التي لم تحل وليس لها مشروع للحل، لن نأتي ولو متأخرين إذا استمررنا على هذا النهج. ولقد بدأت مقالي هذا بمشكلة التقارير رغم أنني وضعت عنوانه في إدارة المخاطر، ذلك أنه من المستحيل التفكير في إدارة المخاطر فضلا عن تطبيقها دون نظام واضح ومفصل للتقارير، وإذا لم نستطع أن نأتي ولو متأخرين في تطوير أنظمة التقارير في القطاع الحكومي فلن نصل أبدا في مسألة إدارة المخاطر. وإذا كان العالم اليوم يتوجه بكل ثقة نحو إدارة المخاطر، وإذا كنا لن نصل أبدا ولو متأخرين في هذا المجال، فأين سنكون بعد 2020 على وجه الحقيقة؟ من السهل أن تضع أهدافك، لكن تحقيق الأهداف يتطلب منا إدارة حازمة للهدف، توفير موارده وإدارة الموارد وتوزيعها بشكل يضمن تحقيق معيار الكفاءة والفعالية، وهذا المعيار دقيق جدا، فقد تتحقق الفعالية بتحقق الأهداف ولكن بهدر ضخم للموارد، وهذا نهجنا قبل سنوات فمن أجل تحقيق بناء مشروع أهدرنا الملايين فهنا يتوقف المقاول وهنا يتعذر وهنا تتم ترسيته على غيره وهنا يتم تعديل المواصفات وبعد جهد جهيد تم المشروع لكن بضخامة في الإنفاق غير مبررة، وفي المقابل تجد مشروعات حققت الكفاءة فلم يتم صرف ريال واحد لمقاول مدرسة تعثر منذ سنوات ولم يتم نقل المشروع لغيره إلا بشروط توفير في الإنفاق، وانتهينا فعلا بالحد من الهدر ولم نصرف ريالا واحدا لكن توقف المشروع منذ 11 سنة وهو حتى بلا تنفيذ. إذا فنحن لا نريد كفاءة في استخدام الموارد تتسبب في عدم تنفيذ الأهداف ولا نريد أهدافا تحقق مع هدر ضخم في الموارد وسوء استخدامها، لكن من يضمن ذلك؟ إنها إدارة المخاطر، لكن إدارة المخاطر لن تحقق لنا بلا تقارير وإذا لم يكن لدينا تقارير ونحن متأخرون فلن نصل لإدارة المخاطر أبدا وهكذا لن نصل إلى تحقيق معيار الكفاءة والفعالية في إدارة مشروعاتنا وسنجد أنفسنا بعد 2020 كما بدأنا اليوم. عندما تعاملت مع إدارة المخاطر لأول مرة وبدأت أتعلمها كنت أشعر بأنها ترف معرفي، لكن مع السنوات اكتشفت أنها إكسير حياة المنظمات. فلقد عملت في مؤسسات لا تعير هذا المفهوم اعتبارا وانتهت نهايات غير جيدة، وهناك نوعان من الأنظمة التي عملت معها وتعج بها الإدارة الحكومية لدينا. فهناك مؤسسات مخططة استراتيجيا بشكل جيد لها أهداف واضحة، ولكل هدف إدارة مسؤولة عن تحقيقه، لكن لا يعرف مدير الإدارة شيئا عن المخاطر التي تحيط به، ينفذ فقط وفقا للمهام المنصوص عليها واللوائح، ليست لديه فرصة للتفكير خارج الصندوق، وليس لديه تصور حول احتمالات تضخم المشاكل ولا كيف يتصرف في مقابلها، فهو لا يدرك المخاطر ولا يتوقعها وليس مسؤولا عنها، وكل شيء خارج اللوائح ونتج عن العمل هو قضاء وقدر، ولن يكلف الله نفسا إلا وسعها. في مؤسسات مثل هذه يعتقد البعض أن النجاح حليفها لكن لا يلبث أن تتورط في مشكلة الفعالية، فالأهداف تتأخر كثيرا بلا سبب واضح، مشاكل لا حصر لها تظهر عند التنفيذ، وفي نهاية المسار نتخطى الوقت المحدد لنا بلا أهداف محققة، ومهما كانت وسائل التسريع والعمل المشترك، ومهما توافرت الموارد سيظل التأخير هو سيد الموقف، فالمخاطر لم تدرس وهي تتوالد من بعضها بعضا وكل خطر يوجد مشكلة وكل مشكلة تولد خطرا جديدا، وهكذا في صراع مع المجهول. في مؤسسات أخرى عملت فيها كانت الأمور محكمة في يد الرئيس الأعلى، هو يشرف على كل صغيرة وكبيرة، تجده في المالية ومع المقاول، وهناك في الاجتماع، يعتقد أن القيادة تتطلب هذا وأهدافه في رأسه فقط، قلق على أهدافه ومن الجميع ويستشعر الخطر لكنه لا يعرف ما هو، ولا كيف يتعامل معه. وسيصل في النهاية إلى ضبط للإنفاق لكن إنجازات محدودة ومخاطر مجهولة تتعاظم حتى تصبح قاصمة. وفي كل الحالات كان العامل المشترك في الفشل هو غياب التقارير وغياب مفاهيم صحيحة وصالحة لإدارة المخاطر. إني أراهن أي مدير لا يدرك المخاطر التي تحيط بأهدافه، أن يحقق تلك الأهداف دون أن يتورط في مخاطر تتسبب في كارثة في العمل، وفي معظم الحالات إذا أدرك حجم المخاطر فإنه يتخلى عن هدفه في مقابل ضبط العمل، ويرضى من أهدافه بالسلامة. إدارة المخاطر فن من فنون الإدارة وعلم له أصول وقواعد ومعايير دولية، وله نماذج عالمية مثل نموذج COSO لإدارة المخاطر ERM، وإذا كنا نريد تحولا سلسا وسليما للقطاع الخاص بدءا من خصخصة الخدمات الحكومية فعلينا أن نبدأ الآن بتطوير أنظمة دقيقة للتقارير وضبط لنظم الرقابة الداخلية وتطبيق لنماذج إدارة المخاطر، وإلا فلن يكون وصولنا إلى عام التحول 2020 بالطريقة التي نخطط لها الآن.
إنشرها