Author

نسبة الاستقطاع من الراتب

|
هناك نقاش طويل حول درجة تدخل الحكومات والمؤسسات الرسمية لحماية عملاء مقدمي الخدمات المالية بشكل عام وعمليات الإقراض بشكل خاص، وجهة النظر الأولى ترى الحد من تقييد أسواق المال والتمويل، وتحتج بأن العميل يبني قراراته بعقلانية ويراعي مصالحه الخاصة عند الإقدام على أي خطوة؛ ولذا يجب أن يتخذ العميل مع الممول قرارهم وفقا لضوابط الائتمان الداخلية لكل ممول وتوضيح المعلومات كافة من قبل الجهات الرسمية ذات العلاقة، فمثلا عند الرغبة في الحصول على تمويل عقاري سكني، فعلى جهات التمويل أن توضح للعميل المعلومات الأساسية المتعلقة بالعقد وتطبق، وعلى الجهات الرسمية أن تعمل على تحديث بيانات سوق العقار السكني بشكل دوري، إضافة إلى توضيح حركة سوق التمويل من حيث عدد عمليات التمويل السكني التي أنجزت ومتوسطات هامش الربح لهذه العمليات وعدد المتعثرين بالسداد وغيرها من المعلومات التي تجعل طالب التمويل على بينة بوضع السوق ومن خلال اطلاعه يقوم بالتفاوض على شروط التمويل وتفاصيله، بينما وجهة النظر الأخرى ترى أن العميل مهما بلغ من مستوى التعليم والمعرفة، ما لم يكن متخصصا فلن يستطيع أن يفاوض ويناقش جهات احترافية تقدم التمويل، ولذا فعلى المؤسسات الرسمية سن الأنظمة والقوانين التي تحمي حقوقه وتراعي مصالحه بما يخدم القطاع المالي وكذلك المستهلك لأن التعثر في أداء دفعات التمويل سيؤثر على النظام المالي بشكل كلي، وهنا الحديث عن دول متقدمة توفر معلومات رسمية وشاملة ودورية وحديثة عن قطاع التمويل يستطيع من خلالها الشخص أن يتخذ قراره، فكيف بالدول النامية التي لا تكاد تجد إلا معلومات بسيطة عن القطاع الذي ترغب في البحث فيه والاطلاع على مستجداته، فمثلا في قطاع العقار السكني السعودي لا يوجد إلا تسجيل المبيعات العقارية من وزارة العدل التي تشوبها عديد من الأخطاء التي تجعل استخدامه غير مجد من غير تحليل دقيق ولذا لا يستفيد منه إلا المتخصصون، بينما لا يوجد أي مؤشر سعري للمساكن يصدر من جهات رسمية، وكذلك فإن المعلومات المتعقلة بالتمويل السكني تعتبر بسيطة جدا، حيث تقوم مؤسسة النقد بنشر إجمالي قيمة التمويل العقاري للأفراد دون توضيح التفاصيل من حيث العدد والمدن التي صدرت فيها ونسب الربح وأنواع المساكن الممولة وصيغ التمويل ما إذا كانت إجارة أم مرابحة، لذا فسوقنا يعتبر ضعيف الشفافية ولا يمكن الاعتماد على أن يقوم المواطن العادي باتخاذ قرار تمويلي، خاصة في التمويل السكني بناء على الخلفية المعرفية والمعلومات المتوافرة دون وجود حماية رسمية تأخذ بيده لما يحقق مصالح المتمول والممول. وعند الحديث عن التمويل السكني بالذات نجد أن هناك عنصرين أساسيين تهتم بهما البنوك المركزية لحماية العملاء والقطاع المالي من أي تعثر، العنصر الأول يتعلق بوضع سوق الإسكان وهو معدل مبلغ القرض إلى قيمة العقار (Loan to Value) الذي يهتم بجانب أسعار المساكن ومدى تضخمها ويضبط علاقة الممول بالسوق، العنصر الثاني وهو نسبة استقطاع التمويلات من الدخل الشهري، ويقيس حجم استقطاع جميع أنواع التمويلات مثل الشخصي وبطاقة الائتمان والسيارة والمسكن وغيرها، حيث لا يتجاوز إجمالي استقطاع هذه التمويلات كلها نسبة معينة من الدخل الشهري لضمان إمكانية الأسرة من العيش بالحد المعقول من الدخل دون ضغوط مالية تؤدي إلى التعثر، وتشير الدراسات إلى أن أكثر عامل يؤدي إلى التعثر بالسداد هو ارتفاع نسبة استقطاع القسط الشهري لمجموع التمويلات التي حصل عليها المقترض ما يجعله تحت وطأة الضغوط المالية وبالتالي تعثره، لذا ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية بعد الأزمة المالية في عام 2008 "مكتب الحماية المالية للمستهلكين" الذي يعنى بزيادة الوعي لدى طالبي التمويل والمتعاملين مع الجهات المالية، كما سن المكتب قانون لتحديد نسبة الاستقطاع بـ43 في المائة من الدخل الشهري قبل الضريبة لإجمالي التمويلات بما فيها السكنية، وهذه النسبة تم تحديدها بالطبع بعد دراسة لوضع السوق لديهم وبما يتناسب مع دخول الأسر هناك. الخلاصة، رفع مستوى الوعي حول عمليات التمويل، وتحفيز المتخصصين بالتخطيط المالي للأفراد بتقديم الاستشارات التوعوية لجميع شرائح المجتمع، خاصة لذوي الدخل المحدود سيعزز من كفاءة اتخاذ قرارات التمويل لدى الأفراد، وكذلك وجود تنظيم لتحديد السقف الأعلى لنسبة استقطاع إجمالي التمويلات من الراتب الشهري أصبح مهما لحماية الممول والمتمول ولا بد من تحديده بشكل رسمي ليشمل مجموع التمويلات سواء الشخصي والسكني وغيرهما، حيث إن الضوابط الحالية تلزم الممول بألا يتجاوز الاستقطاع ثلث الراتب الشهري للقروض الاستهلاكية، بينما لا يوجد تحديد لنسبة الاستقطاع لإجمالي القروض بما فيها السكني، وبعد أن زادت أخيرا أقساط الكثير ممن حصل على تمويل عقاري بصيغة الإجارة حتى استقطعت 65 في المائة وأكثر من دخولهم، نود أن نعرف متى ستتحرك مؤسسة النقد لضبط نسبة الاستقطاع من الراتب وتحديد سقف أعلى لجميع التمويلات بما يتناسب مع سوقنا المحلي وظروفه.
إنشرها