Author

عن التغيرات الدولية المعاصرة

|
منذ عام 1648 وتوقيع اتفاقية وستفاليا، التي أقرت فيما بعد ما يسمى الدولة الأمة والدول ذات السيادة، تسود العالم اليوم حالة من التغيرات الجيوبولتيكية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية المتسارعة، وقد حاول عدد من العلماء والمختصين تفسير مستقبل تلك التغيرات، وكان من أبرز من تحدث حول ذلك موسى نعيم، الذي كتب كتابا وسماه " نهاية القوة "، الذي يشير إلى أن مستقبل القوة في العالم في تغير، من ناحية النوع والموقع والاتجاه، وأوضح أن القوة تتجه من الشركات الكبرى إلى الشركات المتوسطة والصغيرة، ومن الدول الكبرى إلى الدول الصاعدة، ومن الشرق إلى الغرب، ومن الشمال باتجاه الجنوب، حتى من الرجال نحو النساء، وقد عزا ذلك إلى عدد من الأسباب التي غيرت من حياتنا، وتمحورت حول الرجوع إلى الأسئلة البدائية حول حياة البشر في هذا العصر، وتلك الأسئلة هي: كيف نعيش وما الأشياء والعوامل التي تؤثر فينا أكثر من غيرها؟ ومتى تحدث؟ وقد أشار إلى ثلاث "ثورات" "طفرات" أثرت بشكل كبير في حياة الفرد، وانتقلت منها إلى المجتمعات والدول، وأثرت في كيفية فهمهم للعالم وهي كالتالي: أولا ثورة الاتصالات، من الكم الهائل من الاتصال وسرعته التي أثرت في كيفية وطرق حياتنا اليومية، من التعاملات الحكومية، إلى التجارية مرورا حتى بالتواصل المجتمعي والفردي. الثورة الثانية ثورة المواصلات، حيث أشار إلى أن زيادة عدد طرق المواصلات وتنوع وسائلها علاوة على كثرة الخيارات المتاحة، أثرت في طريقة حياتنا في التنقل من مكان إلى آخر، والاستقرار والتعرف حتى على أسواق وأماكن جديدة، ودعمت بشكل كبير التوسع السياسي والاقتصادي. الثورة الثالثة ثورة الفهم والإدراك التراكمي، التي تكونت من كل من الاتصالات والمعلومات معا، التي أثرت في التراكم المعرفي والخبراتي في الحياة وزاد من الخبرات المتراكمة، حيث يمكن استخدام وسائل التكنولوجيا مثلا لنقل عديد من المعارف والتعلم، وزيادة التقارب الفكري بين الأمم والشعوب. لا شك أن تلك الطفرات الثلاث قد أثرت وبشكل كبير في حكمنا على كثير من الأمور ولا سيما مع وجود أكثر من طريقة للتواصل الإلكتروني التي ساعدت على توصيل وتأكيد بعض المعلومات والحقائق بطرق غير تقليدية. ولقد أسهمت ثورة المعلوماتية في تلاشي الحدود السياسية الصلبة ووجود أبعاد أخرى تختص بالبعد السيبراني الذي يعتبر مجالا واسعا للبحث والاقتصاد حتى للسيادة فيما يتعلق بمن يحكم فضاء المعلومات كيف نتعامل معه. من هنا فإنه من نافلة القول الحديث عن عقول أو عواطف جمعية دولية تأثرت بالمواصلات والاتصالات، وأسهمت الثقافات واللغات المتعددة في إنشاء هامش من التقارب الحضاري بين الدول. بيد أنه على الرغم من ذلك ما زالت مشاعر أساسية تسيطر على الإنسان وعلى رأسها الخوف مثلا وتأثيره في أسواق الأسهم مثلا، ولذا نتحدث عن علم نفس الأسواق أو الأسواق التي تتأثر نفسيا بما يحدث عالميا. أصبح العالم الآن أقرب بكثير من أي وقت سابق، وأصبحت مثل تلك المشاعر يمكنها أن تؤثر بشكل سريع حتى على المستوى الدولي، ولذا تلعب الأدوات الإعلامية خصوصا في الإعلام الجديد دورا مهما وحساسا جدا في النظام الدولي وبنيته، كأحد العاملين فيه والمؤثرين سلبا أو إيجابا بما يحدث وبما لدى تلك الشبكات الاجتماعية مثلا، من تعدد في الوسائل وعدد كبير من المستخدمين، وكذلك تأثير أشبه بالعدوى ولا سيما فيما يتعلق بالقضايا الكبرى كالحرب والسلم والانهيارات الاقتصادية. هذا يدفعنا للتساؤل عن استراتيجية تختص بالمعلوماتية، ووسائل التواصل الاجتماعي، والدخول كفاعل ومؤثر وليس متلقيا فقط، حيث لا تزال الإسهامات العربية والوطنية في الإنترنت من محتوى متخصص في اللغة العربية واللغات الأخرى بحاجة إلى زيادة ودعم، وهذا يفتح مجالا كبيرا للاستثمار والتفكير في الفرص التي يمكن إيجادها من خلال تلك التقنية مستغلين الانفتاح الدولي وكذلك التغيرات العالمية في التقنية وانتشارها الواسع في الدخول إلى هذا المجال بشكل أكبر وأوسع، واندماج يسعى للاستفادة حضاريا واقتصاديا مما تقدمه تلك الأدوات، مدافعين فيه عن قيمنا ومعززين دور اللغة والثقافة العربية والإسلامية، كرافد ولغة واقتصاد وحضارة تستفيد من كل أدوات التقنية، وتحافظ في الوقت نفسه على إرثها الثقافي والحضاري. وبالله التوفيق
إنشرها