Author

السويد تدير ظهرها للاجئين

|
أستاذ جامعي ـ السويد
الثبات على المبادئ الإنسانية كان سمة تتفاخر بها دولة السويد. والعالم كان ولا يزال في كثير من النواحي ينظر إلى السويد كمثل للاقتداء في التعامل الإنساني مع الآخر. وإن أخذنا احتضان اللاجئين من حيث العناية والأعداد في عين الاعتبار، فقد تحصل السويد على قصب السبق في سلم الحقوق الإنسانية. ما إن تطأ رجلا لاجئ أرض السويد، حتى يصبح تحت نظام شامل من الرعاية الصحية والاجتماعية رغم دخوله البلد بصورة غير مشروعة (أي دون جواز أو سمة الدخول). وكانت معاملات اللجوء تجري بسرعة ولا سيما للبلدان التي فيها صراعات وحروب. فبعد أشهر قليلة يحصل اللاجئ على إقامة دائمة يصبح بموجبها مواطنا له كل الحقوق وهو في طريقه للتجنس والمواطنة بعد خمس سنوات. وبموجب الإقامة الدائمة يحصل اللاجئ على كل المستحقات التي ترافق دولة الرفاهية – والسويد دولة الرفاهية دون منازع. والمستحقات كثيرة بموجبها يتساوى الأجنبي المقيم مع المواطن السويدي في الحصول على رعاية مجانية تامة في الصحة والسكن والمعاش والتعليم وغيره حتى إن كان عاطلا عن العمل. هذه المستحقات جعلت السويد فردوسا يقصده اللاجئون زرافات. في سبيل الوصول إليه يمخرون عباب البحار ويجازفون بحياتهم في أعالي الجبال ويرهنون كل مقتنياتهم للمهربين. سياسة الباب المفتوح هذه استفاد منها حتى الآن مليون لاجئ من عدد سكان يبلغ تعداده ثمانية ملايين من المواطنين الأصليين. بيد أن السويد أخذت تدير ظهرها هذه السنة للاجئين. البعض يعزو السبب لكثرة الأعداد التي تصل البلاد وعدم قدرة الدولة على تحمل أعبائهم. آخرون يعزون السبب إلى نمو تيار يميني متطرف معاد للأجانب بشكل علني. وهذا التيار أخذ نجمه في الصعود وصار له ثقل كبير في البرلمان إلى درجة أن الأحزاب التقليدية لم يعد بمقدورها تجاهله. وهذا التيار خطير. خطابه إقصائي وعداؤه للاجئين الأجانب بصورة خاصة والعرب والمسلمين بصورة عامة واضح المعالم وتزداد نبرته حدة. وربما لأول مرة في السويد بدأ الأجانب يحسون أنهم صاروا تحت الأنظار وأنهم مراقبون وأنهم غير مرغوب فيهم. وأخذ الإعلام يركز على أية هفوة يقترفها الأجنبي دون وضعها ضمن سياقها وما يقع في البلد من هفوات. وتحت هذا الضغط – ومع الأسف الشديد – اتخذت الحكومة هذه السنة قرارات جديدة بموجبها صار من الصعوبة بمكان ليس فقط الوصول إلى السويد من قبل اللاجئين بل الحصول على رخصة الإقامة. وإن حصل اللاجئ على رخصة الإقامة – وهذا بعد جهد جهيد بعد أن كان الأمر يسيرا – يواجه قرارا يراه كثيرون مجحفا وأنه ينتهك البعد الإنساني الذي تبنته السويد في سياساتها، لقد ألغت الدولة حق لم شمل العائلات، وهذه كانت ميزة إنسانية تمتاز بها السويد دون غيرها من الدول. اليوم حتى إن حصل اللاجئ على الإقامة، فلن يكون بمقدوره جلب عائلته إلى السويد. أمام سياسات وقرارات مناوئة للاجئين، شهدت الأشهر الماضية من هذا العام موسم هجرة معاكسة للاجئين ولأول مرة في تاريخ السويد وبأعداد كبيرة. تشير الإحصائيات إلى مغادرة (هروب) أكثر من 4500 لاجئ السويد إلى بلدانهم الأصلية أو بلدان أخرى في الأشهر الماضية، وذلك لتماطل الحكومة في منحهم صفة اللجوء الإنساني الذي ترافقه الإقامة الدائمة وإلغاء حق لم الشمل مع عائلاتهم. وأخذت الدولة تخصص ميزانية كبيرة وتشن حملة علاقات عامة هدفها استدراج اللاجئين لمغادرة السويد من خلال تقديم منح مادية تصل إلى نحو أربعة آلاف دولار، وخطاب في كل زاوية أن اللاجئين غير مرغوب فيهم ولن يحصلوا على الإقامة، ولن تلتحق عائلاتهم بهم مهما طال انتظارهم في السويد. الدولة لا تزال تمنح الإقامات الدائمة ويحصل عليها نحو نصف الذي يصلون إليها، ولكن لم يحدث في تاريخ السويد أن يجبر اللاجئون على مغادرتها (الهروب منها) بهذه الأعداد الكبيرة. السويد دولة ثرية جدا وواسعة المساحة وقليلة السكان. كل ما تنفقه على اللاجئين لا يتجاوز 1 في المائة من دخلها القومي الإجمالي الذي يبلغ نحو 580 مليار دولا لثمانية ملايين نسمة.
إنشرها