Author

تسارع انخفاض أسعار الأراضي والإيجارات

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
لم يعد هناك مفر أمام قلعة تضخم فاتورة الأراضي والعقار والإيجار، كي تهرب من الاستجابة رغما عنها للتطورات الاقتصادية والمالية الأخيرة، بدأت انهزامها التدريجي خلال أول عامين منذ انخفاض أسعار النفط في منتصف 2014، ليخيم عليها طوال تلك الفترة ركودا عقاريا شديدا، أسقط سيولتها الهائلة من مستوى 450 مليار ريال خلال 2014 بأكثر من 55 في المائة، إلى ما دون 201 مليار ريال وفق أرقام سيولتها في الوقت الراهن. وتحت ضغوط انخفاض أسعار النفط التي دخلت عامها الثالث على التوالي، التي نتج عنها تراجع مستويات الإنفاق الحكومي والسيولة المحلية، ألجمت فورة الأسعار السوقية المتضخمة جدا بنسب تأرجحت في المتوسط بين 44 في المائة للأراضي السكنية، ونحو 9 في المائة فقط للشقق السكنية، بينما لم يتجاوز الانخفاض في متوسط أسعار الفلل السكنية حدود 29 في المائة، وهي نسب انخفاض لا تكاد تذكر أمام رالي تضخمها الكبير خلال 2006-2014، التي راوحت ذروات ارتفاعها بين أربعة إلى تسعة أضعاف مستوياتها قبل موجة التضخم، دع فاتورة الإيجارات السكني والتجاري منها على حد سواء، التي تضاعفت بدورها بين ثلاثة وخمسة أضعاف، لتحتل أسعار الأراضي والعقار والإيجارات المرتفعة موقعها الثقيل في ميزان التضخم محليا، ذهبت جميع الجهود المضادة لها طوال تلك الفترة سدى! اليوم تمضي الأوضاع الاقتصادية والمالية ضمن العام الثالث من انخفاض أسعار النفط، ونرى تكيف السياسات الاقتصادية والمالية محليا بما يتوافق مع تحديات المرحلة الراهنة، وهي السياسات التي كان متوقعا اللجوء إليها حال انخفاض أسعار النفط، كونه المصدر الأول والأكبر للدخل بالنسبة للاقتصاد السعودي، وهو الأمر المعلوم لدى كل مختص ومهتم بالشأن الاقتصادي والمالي، وبناء عليه جاءت كثير من الرؤى الناصحة للأفراد بعدم التورط في شراء الأراضي والعقارات، خاصة تلك التي ستعتمد بصورة كبيرة على الاقتراض، باستثناء من كان مضطرا جدا، والتريث كثيرا في هذا الشأن لما له من آثار طويلة الأجل على دخل الفرد، وكونه يحمل مخاطر أكبر بكثير مما قد يتحمله مستقبلا، قياسا على توقعات انخفاض أسعار الأراضي والعقارات، ليس فقط بسبب تلك التطورات الاقتصادية والمالية ثقيلة الوزن، بل أيضا يضاف إليها ترقب نتائج الإصلاحات الواضحة التي قامت بها الدولة على السوق العقارية، التي استهدفت من خلالها محاربة الاحتكار والمضاربات وكثيرا من التشوهات الكامنة لعقود طويلة داخل أحشائها، وهو ما حدث فعلا بصورة مؤكدة خلال العام الجاري (تطبيق الرسوم على الأراضي البيضاء). يوما بعد يوم، كانت الرؤى والتوقعات المستندة إلى وقائع وحقائق وبيانات رسمية تتأكد للجميع، ورغم المقاومة الشديدة من الأطراف العقارية (تجار أراض، عقاريين، سماسرة) لكل تلك التوقعات، كونها تتعارض تماما مع مصالحهم القائمة بدرجة كبيرة جدا على استمرار تلك التشوهات العقارية، ولمكاسبها الكبيرة المتحققة من استمرار موجة التضخم العقاري، انبروا لأجلها وتسويقها والترويج لها في كل منبر متاح؛ دفاعا ليس مستغربا أبدا عما كانوا يرونه حقا مكتسبا، بغض النظر عن الآثار السلبية التي خلفها على حساب الاقتصاد الوطني والمجتمع، وهو ما لا تنظر إليه تلك الأطراف بعين الاهتمام، مقارنة بالاهتمام الكبير بهوامش الأرباح ومصادر الثراء التي تحققت، ويراد المحافظة عليها مهما كلف الثمن. إلا أن العوامل الاقتصادية والمالية المضادة لتلك المصالح الضيقة، كانت تتعاظم موجاتها وتكبر فترة بعد فترة، إلى أن أصبح من المستحيل في الوقت الراهن الوقوف ضدها بأي حال من الأحوال. طال الزمن أو قصر؛ كان مقدرا أن يأتي يوما لانفراج الطريق المسدود الذي وصلت إليه أزمة الإسكان، المتمثلة في عدم قبول البائعين بالتنازل عن أسعارهم المستهدفة من جانب، ومن جانب آخر عدم قدرة المشترين على الشراء بذات الأسعار أو حتى قريب منها، وها قد حدث ما كان متوقعا في وقت سابق، أن تتحرك السياسات الاقتصادية والمالية في الاتجاهات المتكيفة مع التطورات الاقتصادية الجارية، وهو الأمر غير المفاجئ على الإطلاق من قبل المختصين، كان من أول إجراءاتها حزمة القرارات السامية التي صدرت قبل أمس، التي تعني في أحد أهم جوانبها انخفاض مستويات الدخل بالنسبة للأفراد، والوصول بها إلى مستويات قابلة لتحقق قياسا على قدرة الميزانية العامة للدولة. فإذا تم النظر الآن إلى المجموعة الواسعة من العوامل الضاغطة على الأسعار المتضخمة للأراضي والعقارات، وعلى تكلفة الإيجارات السكنية والتجارية على حد سواء، وأضيف إليها ما قد يصدر من قرارات وإجراءات أخرى مرتقبة مستقبلا تصب في ذات الاتجاه، إضافة إلى اقتراب موعد تحصيل أول دفعة من الرسوم على الأراضي البيضاء، فلا شك أن المحصلة ستأتي بالكامل على عكس ما تشتهيه سفن تجار الأراضي والعقارات، لكنها في الوقت ذاته ستأتي لمصلحة الاقتصاد الوطني والمجتمع وقطاع الأعمال على حد سواء. أي ما معناه أن تسارع وتيرة الانخفاض في الأسعار، وفي تكاليف الإيجارات، سيصبان في مصلحة الاقتصاد والمجتمع، فحينما تنخفض مستويات الدخل بنسب تراوح بين 20 و30 في المائة، ستشاهد انخفاضا يفوق تلك النسب في الأسعار والتكاليف، الذي ستأتي نتائجه إيجابية على "الدخل الحقيقي" للفرد، كما سيؤدي ذلك إلى خفض تكلفة الإنتاج والتشغيل على منشآت القطاع الخاص، التي ستحفزها بصورة كبيرة على امتصاص الصدمات الاقتصادية الراهنة، وفي الوقت ذاته يفتح أمامها فرصا أكبر لخفض أسعار خدماتها ومنتجاتها وزيادة قدرتها التنافسية، عوضا على تمكين تلك المنشآت من الوقوف بقوة أفضل أمام ارتفاع تكاليف أخرى مرتبطة بالجهات التنظيمية (الرسوم والضرائب الحكومية). رغم الفترة الماضية الممتدة لأكثر من عامين، وما تخللها من تطورات وتقلبات وتغيرات متسارعة جدا، إلا أنها في الوقت ذاته ليست إلا بداية لطريق طويل من الإصلاحات الهيكلية التي يخضع لها الاقتصاد السعودي، وما زال الطريق طويلا حتى 2030 وما سيشهده من برامج وقرارات عديدة، ينصب جل اهتمامها على التغيير الكامل للاقتصاد الوطني، للانتقال به من واقعه الريعي الراهن المعتمد بدرجة كبيرة على النفط، إلى اقتصاد منتج متعدد الركائز، الذي سيكون أحد أكبر ضحاياه دون أدنى شك التشوهات الراهنة في سوق العقار، التي قامت لعقود طويلة على اكتناز واحتكار الأراضي دون بذل أي جهد يذكر. علينا أن نعتاد على مشاهد استمرار هبوط أسعار الأراضي والعقارات، وانخفاض تكلفة الإيجارات، هذا حديث أخص به تجار تلك الأنشطة، أما بالنسبة للاقتصاد وأفراد المجتمع، فلا تتجاوز بالنسبة لهما مكاسب الحد وبشكل كبير من الاحتكار والمضاربة ذات الآثار السلبية، التي دفعا ثمنا باهظا لها طوال عقود من الزمن مضت. والله ولي التوفيق.
إنشرها