Author

أزمة السكر في عام 1963 .. حزم الحكومة يحفظ قوت الشعب

|
شهدت المملكة عبر تاريخها مجموعة من الأزمات، تغلبت عليها الحكومة بحكمة ومسؤولية وحسن إدارة، ولا سيما في الأزمات المتعلقة بقوت الشعب وغذائه، ولعل أزمة السكر التي مرت بها البلاد عام 1963 وتصرف الحكومة حينها، من أكبر الدلائل على ذلك، حيث تعاملت معها بمسؤولية، وبدرجة عالية من الحكمة، وذلك عندما أدى عدم وصول أي كميات من السكر إلى المملكة إلى استغلال بعض التجار الوضع ورفع الأسعار، ما دعا القيادة إلى إصدار مجموعة من القرارات واتخاذ عديد من الخطوات التي أسهمت في تخطي الأزمة وعودة الأمور إلى أوضاعها الطبيعية. تحدث في جميع أنحاء العالم أزمات في سلعة معينة أو في مجموعة من السلع، وتزداد حدة الأزمات إذا ارتبطت بغذاء الإنسان وقوت حياته. ولأزمات الغذاء عوامل تبعثها، من أبرزها الجفاف والكوارث الطبيعية كالفيضانات وكذلك الحروب، حيث تشح ويقل استيرادها ويظهر عندئذ الاحتكار والاستغلال الذي يرفع الأسعار، ما يستدعي تدخل الحكومات للسيطرة على الأوضاع وإدارة الأزمة وتنظيم السوق وكبح جماح المتلاعبين من التجار المستوردين أو من تجار التجزئة. #2# وسجل التاريخ السعودي الدور الكبير للحكومة في أثناء الأزمات الاقتصادية بشكل عام، أو الأزمات المرتبطة بالغذاء أو بغلاء المعيشة بشكل خاص، ولعل موقف الملك عبدالعزيز وجهوده من أزمة الغذاء في مكة المكرمة سنة 1925/1924 التي سجلها الدكتور أحمد آل فائع في بحث منشور، تعد أول أزمة اقتصادية غذائية معروفة واجهها الملك عبدالعزيز بكل حكمة وحسن تصرف، ولا ننسى الأزمة التي حدثت في أثناء الحرب العالمية الثانية (1939 ــ 1945) والجهود العظيمة المبذولة في تخفيف حدتها على الشعب السعودي. ولسنا بصدد حصر هذه الأزمات الطارئة أو كيفية التعامل معها، ولكن بين يدينا تفاصيل تحكي قصة حدثت قبل نحو 55 عاماً، يظهر من خلالها حرص الحكومة السعودية على مواطنيها واهتمامها بهم وحسن تعاملها مع إحدى الأزمات في سلعة غذائية مهمة هي السكّر، التي كانت تستورد كلياً من الخارج في تلك الفترة. • السكّر تاريخيا وتراثيا للسكر الذي أصبح رمزاً لحلاوة الطعم علاقة تاريخية مع سكان الجزيرة العربية رغم مرارة العيش في الصحراء، علماً بأنهم مع معرفتهم له فإنه يعد من السلع الطارئة عليهم نسبياً مثلها مثل الأرز، لأن حياتهم المعيشية كان قوامها الأساسي ما تنتجه أرضهم خاصة التمر والقمح، وكذلك ما تنتجه حيواناتهم كالحليب ومشتقاته على الرغم من كون السكر أصبح مادة غذائية أساسية في العالم منذ القرن الثامن عشر. وهو اليوم من أهم المواد الأساسية التي تستخدمها كل الشعوب بشكل يومي، ولذا فإنه يعد من أهم المواد التي يتم الاتجار بها حول العالم، وهناك ما لا يقل عن 100 دولة من الدول المنتجة له، أبرزها البرازيل والهند والصين وتايلاند وأستراليا، ولا يفوتنا الإشارة إلى أن معظم السكر المستهلك حول العالم يأتي من مصدرين أساسين أحدهما قصب السكر الذي ينمو بكثرة في المناطق الحارة، والآخر الشمندر الذي يزرع بكثرة في المناطق الباردة. وكان السكر في الماضي يصنع على هيئة قوالب كبيرة تكسر عند الاستعمال وكان يستورد إلى بلادنا بهذه الهيئة، قبل أن يظهر السكر الدقيق أو المسحوق، وكانوا يسمونه "البلوج" وكلمة بلوج كما يظهر من الألفاظ الفارسية الدخيلة على اللغة العربية، ذكرها صاحب القاموس وأصلها أبلوج، وقد ظهر استعمالها في اللهجة الدارجة قديماً للتعبير عن السكّر بشكل عام، من ذلك قول الشاعر محسن الهزاني (ت 1805): "ذقت البلوج وذقت صافي عسل ما ولا ذقت أحلى من عسل ريق سلمى يا عين هلي من دموعك عسى الما يطفي ظما مرجل غرامي إلى فاح". وظهرت بعد ذلك تسمية أخرى للسكر الصلب وهي "القند"، وقد شرح معنى الكلمة الشيخ محمد العبودي في معاجمه، فذكر أنه السكر الذي يكون على شكل قطع صلبة أو قل على شكل حجارة متماسكة، ومنه ما يصب في قوالب فيكون على هيئة القمع وهو المحقان ويسمى "محقان قند" أو "محقان السكر"، وبعضهم يسميه "راس القند"، ويضربون المثل بحلاوة القند فيقولون للشيء الشديد الحلاوة "أحلى من القند" مثل قولهم "أحلى من السكر". ومن ذلك قول الشاعر محمد بن قويطع المرواني: "كم راس قند به مع الكيف مكسور ونفوس أهلهن كل يوم جدادِ". مع العلم أن دخول هذا اللفظ بنفس المعنى في اللغة العربية قديم ــ كما أشار العبودي ــ فقد، قال أبو الفتح البستي (ت 1010): للناس في أخراهم جنة وجنة الدنيا سمرقند يامن يساوي أرض بلخ بها هل يستوي الحنظل والقند؟ فتاريخياً لم يكن الناس في وسط الجزيرة يعرفون من السكر سوى سكر القوالب الكبيرة الذي كان يرد إليهم من الخارج منذ وقت قديم، وعندما وصلهم السكر الدقيق الذي يوضع في أكياس من الخيش فيما بعد أسموه "الدباره"، ويرى العبودي أن هذا الاسم ربما جاء من اسم الخيش في غير العربية، وكانوا أول الأمر يسمونه "سكر دباره" أو سكر الدباره ، ثم صار "الدباره" مجرداً. قال أحد الشعراء منكراً على النساء شرب الشاي، إذ كان شربه مقتصراً أول الأمر على الرجال: ما ناب أحب مسويات الدِّباره اللي يحطن الدباره عملهن يا جعل عذرىً تشربه للحرارة وإلا يخالطها خبيثٍ من الجن وقد انقرضت هذه التسميات السابقة التي كانت تطلق على السكر ولم يعد الناس يستخدمون البلوج أو القند أو الدباره واستعاضوا عنها بكلمة شكر، واستمروا يسمونه بهذا الاسم إلى وقت غير بعيد. قال عبدالله بن حصيص (ت 1935): ريق سارة مثل شكرٍ في غضارة أو حليب بْكار عرب مسمناتِ. ثم اختفت كل الكلمات والمفردات في النصف الثاني من القرن الرابع عشر الهجري وظلت كلمة سكّر هي الحاضرة إلى اليوم، وكان يباع في السابق جملة بالكيس، وتجزئة بالوزن بالكيلو والأقة. #3# • بداية الأزمة لعلنا لا نستطيع تحديد البداية الفعلية لأزمة السكر بشكل دقيق ولكن نلاحظ من خلال اطلاعنا على بيان أصناف وكميات المواد الغذائية المعلنة في الجريدة الرسمية الواردة إلى ميناءي جدة والدمام خلال شهر شعبان 1382هـ، الموافق لشهر يناير 1963 أنه لا يوجد من بين هذه الأصناف والكميات للمواد الغذائية المستوردة من الخارج أي كمية من السكر! وهذا ما يوحي بأن هذا الشهر يعد منطلقاً زمنياً لتلك الأزمة. • البيان الرسمي الأول حول الأزمة ولا شك أن عدم وصول أي كميات جديدة من السكر خلال شهر شعبان إلى داخل البلاد رغم وجود بعض المخزون، أدى إلى استغلال التجار هذا الحدث لتحقيق مزيد من الأرباح، فارتفعت أسعار السكر بشكل غير مقبول وهو ما لاحظته الحكومة السعودية فبادرت إلى نشر بيان رسمي بتاريخ الرابع عشر من شهر رمضان 1382هـ الموافق لشهر فبراير 1963، حول هذا الارتفاع اللافت للنظر في أسعار السكر، معلنة أنه أصبح لزاماً عليها أن تضع حداً لهذه الزيادة. ومن أجل هذا فقد قامت بدراسة الموضوع دراسة وافية وفي ضوء ذلك اتخذ مجلس الوزراء القرار الآتي: 1 ــ منح علاوة استيراد بمعدل 110 ريالات للطن الواحد من السكر، على أن يعد هذا نافذ المفعول من تاريخه إلى نهاية شهر المحرم 1383هـ. 2 ــ إعادة النظر في الموضوع بعد انقضاء الفترة المشار إليها حسب مقتضيات الحاجة وما تمليه المصلحة العامة حينئذ. وأهابت الحكومة في بيانها بالتجار عامة وبتجار المواد الغذائية خاصة، أن يعملوا ما وسعهم الجهد على تأمين حاجة البلاد من السكر بأسرع وقت ممكن، وسيعاقب المتلاعبون بأسعار أقوات الشعب واحتياجاته، وإنما فعلت الحكومة ذلك رغبة منها في المساهمة في التخفيف عن كاهل الشعب وبقاء الأسعار في مستواها الطبيعي. ونلاحظ من خلال بيان الحكومة الرسمي الصادر من مجلس الوزراء أنها تفاعلت بسرعة مع زيادة الأسعار اللافتة للتخفيف عن كاهل الشعب، من خلال دعمها للاستيراد بمنح إعانة للتجار مقدارها 110 ريالات للطن الواحد من السكر، بهدف زيادة الكميات الواردة ليزداد المعروض في السوق وبالتالي تبقى الأسعار في مستواها الطبيعي، ورغم أنها ألمحت إلى وجود تلاعب في الأسعار وهددت المتلاعبين إلا أنها لم توضح في بيانها الأسباب الحقيقية لهذه النقص الطارئ في الكميات الذي نتج عنه ارتفاع في الأسعار! • الحكومة توضح وتقرر الاستيراد وتحديد السعر بعد بيانها الرسمي نفذت الحكومة قراراتها وظلت تراقب الوضع من كثب لمدة شهرين تقريباً، لكنها وقبل انقضاء الفترة التي حددتها في البيان بنحو شهر رأت حسب مقتضيات الحاجة وما تمليه المصلحة العامة إعادة النظر في الموضوع، حيث أذاعت الإذاعة العربية السعودية بياناً أوضحت فيه ابتداء الأسباب الحقيقية للأزمة، إذ أشارت إلى تعرض إنتاج السكر وتصديره في العالم إلى أزمة في الأشهر الأخيرة مردها إلى شح المحاصيل في بعض البلدان المنتجة واتجاه بعض الدولة الأخرى المنتجة للسكر إلى تحويل بعض طاقاتها الإنتاجية إلى مواد أخرى غير السكر، ما ترتب عليه قلة في الكميات المنتجة وازدياد في الطلب على العرض وارتفاع طارئ على أسعاره. #4# ثم ذكر البيان أنه سعياً من الحكومة إلى صيانة أسعار هذه المادة الغذائية من التلاعب والمحافظة على معدل سعرها المألوف، فقد قررت تحديد سعر السكر في البلاد، وحرصاً من الحكومة على تأمين السكر للمواطنين بسعره المألوف واستمرار بيعه دون إرهاق للمستهلك فقد عمدت الحكومة إلى إعطاء إعانات مالية لمستوردي السكر، أملا أن يؤمن هذا الإجراء توافر مادة السكر للمواطنين، إلا أن ما يدعو للأسف ملاحظة الحكومة قيام بعض تجار السكر من انتهاز هذه الظاهرة الاستثنائية العابرة وتعمد احتكار كميات من السكر الموجود لديهم والتحكم بأسعارها تحكماً لا يتلاءم مع هدف الحكومة في تيسير المعيشة للمواطنين ولا ينسجم مع مسؤولية المواطن إزاء مواطنيه، لذا فقد طلبت الحكومة من الدول المنتجة للسكر التي لن يتأثر معدل إنتاجها تأثرا ملحوظا توريد كمية 20 ألف طن للمنطقة الغربية ومثلها للمنطقة الشرقية واثقة بأن هذا الإجراء سيكون الحل الحاسم لهذه الأزمة العابرة التي لن تدخر الحكومة جهداً في سبيل إنهائها، مؤكدة أنها لن تتهاون في اتخاذ كل ما من شأنه أن يردع المتلاعبين في أقوات المواطنين بكل وسيلة فعالة. #5# ونلاحظ في هذا البيان أن الحكومة لما اكتشفت الأسباب الحقيقية للأزمة ورأت أن الإعانات التي منحتها لمستوردي السكر لم تحقق النتيجة المطلوبة بسبب عدم تعاون التجار اضطرت اضطراراً إلى إجراء أمرين عاجلين لمعالجة الأزمة، أحدهما تحديد سعر السكر في البلاد، والأمر الثاني هو قيامها بالاستيراد بنفسها لزيادة كمية المعروض من السكر في الأسواق. ويلاحظ أن مبادرة الحكومة المبكرة لمعالجة الأزمة أدت إلى وصول كميات من السكر إلى موانئ المملكة، حيث يظهر في بيان أصناف وكميات المواد الغذائية الواردة خلال شهري ذي القعدة وذي الحجة 1382هـ/أبريل ومايو 1963 إلى ميناءي جدة والدمام، ورود كمية من السكر بلغت 200 طن بمعدل 100 طن لكل ميناء. • قرار مجلس الوزراء بشأن أزمة السكر: نظراً لاستمرار ارتفاع أسعار السكر رغم ما اتخذته الحكومة من إجراءات، فإن القضية رفعت إلى مجلس الوزراء مرة أخرى في الخامس من شهر المحرم 1383هـ الموافق 29 مايو 1963، ورغبة من المجلس في حماية المستهلك فأصدر قراراً برقم 22 في السابع من المحرم 1383هـ اشتمل على تفصيل دقيق للإجراءات الحازمة التي تم اتخاذها، وهي: أولاً: إعانات الحكومة في استيراد الكمية التي وعدت بها في البيان الرسمي الصادر أخيراً، البالغ مقدارها 40 ألف طن. #6# ثانياً: تحديد سعر السكر بالشروط التالية: 1 ــ يحدد سعر بيع السكر في ميناء الورود في المملكة بالجملة والقطاعي على الوجه التالي: أ‌ ــسعر الجملة لكيس السكر زنة 100 كجم يباع من التاجر المستورد إلى تاجر التجزئة أو المستهلك بسعر 77 ريالا. ب‌ ــ سعر التجزئة من تاجر التجزئة للمستهلك 17 قرشاً للكيلوجرام الواحد أو 21 قرشاً للأقة الواحدة. ج‌ ــ تضاف إلى هذا السعر مصاريف النقل الفعلية من ميناء الورود إلى بلد البيع في المملكة. 2 ــ لا يجوز للتاجر المستورد أو لتاجر التجزئة الامتناع عن البيع بالأسعار المحددة. 3 ــ يتعين على كل تاجر مستورد أو تاجر تجزئة إخطار وزارة التجارة والصناعة رسمياً بكميات السكر الموجودة لديه أو التي تم تعاقده عليها. 4 ــ يتعين على كل تاجر مستورد أن يمسك سجلا رسمياً مختوماً بخاتم وزارة التجارة والصناعة ويرقم بأرقام مسلسلة ويقيد كميات السكر الموجودة لديه والتي سيستوردها وتاريخ ورودها وقيمتها. ويجب أن تطابق هذه البيانات كشوف الاستيراد والبيان الجمركي. 5 ــ كل كمية يبيعها التاجر المستورد لتاجر التجزئة أو يرسلها لأحد فروعه في المملكة تخصم في الصفحة المقابلة لصفحة القيد أولا فأولا، مع إخطار الوزارة يومياً لاتخاذ الإجراء بشأنها ومراقبة وصولها، ويجب قيد الكميات المرسلة للفروع بالطريقة نفسها وفي البلدان التي لا يكون فيها فرع للوزارة تقوم الإمارات أو البلديات بالإشراف على القيد وختم السجلات الممسوكة لهذا الغرض. #7# 6 ــ في حالة بيع المستورد كميات ستنقل على وسائط نقل برية، يتعين على المشتري بعد التحقق من شخصية المشتري أو الناقل وتسجيل رقم واسطة النقل، إخطار الوزارة بالكمية المنقولة. ويحتوي الإخطار على اسم البلدة المنقول إليها واسم الناقل ورقم السيارة وعنوان المشتري، حتى يمكن إخبار الجهات في بلد الوصول لمراقبة وصولها وبيعها بالسعر المحدد. 7 ــ في حالة بيع المستورد كميات ستنقل على وسائط نقل بحرية يتعين على المشتري بعد التحقق من شخصية المشتري أو الناقل تسجيل اسم واسطة النقل، وإخطار الوزارة بالكمية المنقولة. ويحتوي الإخطار على اسم البلدة المنقول إليها واسم الناقل وواسطة النقل وعنوان المشتري، حتى يمكن لوزارة التجارة المطابقة بأسعار وصول البضاعة للموانئ السعودية. 8 ــ يتعين على تجار التجزئة الاحتفاظ بفواتير الشراء لديهم من المستوردين. 9 ــ يتعين على كل تاجر تجزئة وضع بطاقة على السكر بالسعر المحدد للبيع. 10 ــ لا يجوز للتاجر المستورد أن يبيع لتاجر التجزئة في ميناء الورود أكثر من 10 أكياس بعبوة 50 كجم أو خمسة أكياس بعبوة 100 كجم كذلك لكل دفعة، ولا يجوز لتاجر التجزئة أن يخزن في مستودعه أو دكانه أكثر من هذه الكمية، ويحق له الحصول على كمية مماثلة سواء من المستورد نفسه أو من غيره إذا قام ببيع الكمية المقررة في البلدان الأخرى غير ميناء الورود، ويحق لتاجر التجزئة الحصول على ضعف الكمية المقررة. 11 ــ كل تاجر تجزئة تضبط لديه كمية من السكر تزيد على المقرر صرفها إليه من التاجر المستورد، وكذلك كل كمية لا يبلغ عنها التاجر المستورد ولا ينسق لها قيدا رسميا تصادر. 12 ــ كل مخالفة لحكم من أحكام القرارات السابقة يعاقب مرتكبها بغرامة لا تزيد على 10 آلاف ريال، ويجوز علاوة على ذلك غلق محله لمدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على سنة. 13 ــ ينفذ هذا القرار من تاريخ نشره في الجربدة الرسمية، وقد نظم المجلس مشروع مرسوم ملكي لتطبيق الجزاء الوارد في الفقرة 11 والمادة الثانية. وبالفعل تم نشر القرار في الجريدة الرسمية وبدأ تنفيذه في الخامس عشر من المحرم 1383هـ، كما صدر بناء على ذلك القرار المرسوم الملكي الأول حول هذه الأزمة. #8# • المرسوم الملكي الأول حول أزمة السكر صدر المرسوم الملكي رقم 62 بتاريخ 7 المحرم 1383هـ المبني على قرار مجلس الوزراء رقم 22 بتاريخ 7 المحرم 1383هـ، بأن كل تاجر تجزئة تضبط لديه كمية من السكر تزيد على الكمية المقرر صرفها إليه من التاجر المستورد، وكذلك كل كمية لا يبلغ عنها التاجر المستورد ولا يمسك لها قيداً رسمياً تصادر، وبهذا المرسوم اكتسب مبدأ العقوبة للمخالفين للتعليمات مرجعية قانونية ونظامية من أعلى سلطة في الدولة، وهو ما يؤكد الحزم والجدية في معالجة الأزمة. • بيان من وزارة التجارة والصناعة إلى تجار السكر بعد صدور قرار مجلس الوزراء بخصوص تنظيم تجارة السكر وبيعه ودخوله في مسار التنفيذ أعلنت وزارة التجارة بياناً تحذيرياً وجهته إلى تجار السكر الذين لديهم كميات مخزونة من السكر بالمبادرة بختم دفاترهم لديها وإشعارها بالكميات التي لديهم بكل دقة في مدة أقصاها 28 محرم 1383هـ الموافق 21 يونيو 1963م لتقوم الوزارة من قبلها بالتأكد من ذلك وتسجيله في دفاترها وترجو أن لا تضطر آسفة إلى تطبيق المادة 11 التي تقضي بمصادرة الكمية غير المبلغ عنها من السكر أو التي لا يمسك لها قيد رسمي عملاً بما جاء في المرسوم الملكي . وحرصاً ممن وزارة التجارة والصناعة في السيطرة على الأزمة فإنها لم تقف عند حدود هذا البيان التحذيري بل طلبت بعض الإجراءات التنظيمية الأخرى التي تساعدها في ضمان بيع السكر في جميع مناطق المملكة بالسعر المحدد له ورفعت ذلك إلى مجلس الوزراء الذي وافق على تلك الإجراءات في جلسته المنعقدة يوم الأحد 7 ربيع الأول 1383=28يوليو 1963م . #9# • المرسوم الملكي الثاني حول أزمة السكر وبناء على ما عرضه رئيس مجلس الوزراء حول أزمة السكر صدر المرسوم الملكي رقم 6 في 14 ربيع الأول 1383هـ الموافق 5 أغسطس 1963م في أربع مواد: المادة الأولى نصت على أن كل مخالفة لحكم من الأحكام الواردة في قرار مجلس الوزراء رقم 191 بتاريخ 10/3/ 1383 أو أحكام القرارات السابقة المتعلقة بموضوع السكر والتي نشرت على الجمهور يعاقب مرتكبها بغرامة لا تقل عن 1000 ريال ولا تزيد عن 10000 ريال مع جواز غلق المحل لمدة لا تقل عن شهر ولا تزيد عن سنة ويستثنى من ذلك مخالفة وضع بطاقة بالسعر المحدد على السكر من قبل تاجر التجزئة فإنه يعاقب بغرامة بين 100-500 ريال أو بإغلاق محلة من أسبوع إلى أسبوعين. والمادة الثانية نصت على تشكيل هيئة أو أكثر تتألف كل واحدة منها من عضوين يختار كل واحد منهما وزير التجارة والصناعة ووزير الداخلية برئاسة عضو ثالث يختاره وزير المالية وتختص الهيئة بالنظر في المخالفات والعقوبات التي تفرضها على مرتكبيها وتعتبر قراراتها نهائية وقابلة للتنفيذ بمجرد صدورها ويجوز تأليف الهيئة في الجهات التي لا يوجد فيها فرع لوزارة التجارة من عضوين رئيس البلدية ومدير الفرع المالي وبرئاسة أمير البلدة فإذا لم يوجد رئيس للبلدية أو مدير للفرع المالي عين أمير البلدة بقرار منه اثنين من أعيان البلدة يكونان عضوين في هذه الهيئة. أما المادة الثالثة من المرسوم فقد نصت على إعطاء صفة «الضابطية» القضائية للأشخاص الآتي بيانهم: أ- موظفو وزارة التجارة الذين يكلفهم الوزير بإجراء التفتيش والمراقبة على قضايا السكر المختلفة . ب- الأمير ورئيس البلدية أو من ينيبان من موظفي البلدية أو الإمارة بقرار مكتوب للجهات التي لا يوجد فيها فرع للوزارة. ج- يكون للأشخاص المبينين في الفقرتين أ ، ب تنظيم ضبوط بالمخالفات التي يحققون فيها أو المصادرات التي يجرونها على أن يحيلوا المعاملات المذكورة إلى الهيئة المشار إليها في المادة الثانية. بينما نصت المادة الرابعة على تنفيذ رئيس مجلس الوزراء ووزراء المالية والاقتصاد الوطني والتجارة والصناعة والداخلية للمرسوم . والجدير بالذكر أن رئيس مجلس الوزراء أثناء هذه الأزمة هو ولي العهد آنذاك الأمير فيصل بن عبدالعزيز أما وزير المالية فقد كان الأمير مساعد بن عبدالرحمن بينما وزير التجارة عابد شيخ ووزير الداخلية الأمير فهد بن عبدالعزيز. #10# وقد استمرت هذه الأزمة التي تعاملت معها الحكومة بخطوات جادة في مراحل تصاعدية وإجراءات حازمة تماشياً مع ازدياد حدتها بهدف التخفيف عن كاهل الشعب وكبح جماح الاحتكار والقضاء على التلاعب والاستغلال أدى إلى توفير كميات السكر في الأسواق والسيطرة على الأسعار بشكل كبير وقد تحمّلت وزارة التجارة والصناعة العبء الأكبر من تنفيذ الإجراءات اضطلاعاً بمسؤوليتها وارتهاناً لدورها في معالجة الأزمات الاقتصادية. وفي 17 رمضان 1383هـ الموافق للأول من فبراير 1964م أي بعد مضي حوالي السنة على بداية الأزمة نجد وزارة التجارة تعلن عن قرب وصول شحنة جديدة من السكر مقدارها 5900 طن مشيرة إلى أن هذه هي الدفعة الأولى من العشرين ألف طن التي تم الارتباط بها من قبل الدولة وذلك بالإضافة إلى الكميات الكبيرة التي سبق أن وردت والموجودة في مخازن الحكومة في المملكة وذلك حرصاً منها على تيسير الحصول على السكر بأسعار معقولة متحملة بذلك فروق السعر الكبيرة تخفيفاً عن كاهل الشعب، وهو ما يؤكد توالي وصول شحنات السكر واستمرارها ومن ثم سيطرة الحكومة على السوق والموازنة بين العرض والطلب من خلال توفير الكميات المطلوبة وضبط الأسعار الأمر الذي أنهى هذه الأزمة التي لم يفتعلها التجار ولكنهم حاولوا استغلالها لزيادة مكاسبهم مما زاد من حدتها واشتعالها. • نهاية أزمة السكر وبعد انتهاء الأزمة واستقرار الأوضاع نلاحظ موافقة مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة بتاريخ 3 ربيع الأول 1384هـالموافق 12 يوليو1964م على طلب وزارة التجارة لاستئناف منح إعانة استيراد السكر للتجار بواقع 110 ريال عن الطن الواحد لمدة ستة أشهر، وهو ما يرجح إيقاف الإعانة أثناء الأزمة لهدم التزام التجار بتعليمات الحكومة مما اضطرها إلى استيراده بنفسها للسيطرة على الأسعار كما وضحنا، ولكن هذا القرار كان مصحوباً بتحذير هو عدم زيادة أسعار بيعه محلياً عن الأسعار المقررة وأن وزارة التجارة ستقوم بمتابعة ذلك. وهكذا نرى أن الحكومة بعد أن لقنت التجار درساً قاسياً تسمح لهم باستيراد السكر من الخارج مرة أخرى بل وتقدم لهم دعماً على استيراده إعانة لهم لأنها لم تهدف يوماً إلى منافستهم أو الإضرار بهم بل كانت تهدف إلى حماية المواطنين من الاستغلال والاحتكار ونجحت في ذلك عندما استخدمت أسلوبها الحازم .
إنشرها