Author

القطاع العقاري وحفز النشاط الاقتصادي

|
تتنوع أسباب الركود الاقتصادي من دولة إلى أخرى حسب مزاياها وهياكلها الاقتصادية، والركود الاقتصادي ـــ وهو مصطلح يعبر عن هبوط في النمو الاقتصادي لمنطقة أو لسوق معينة ــــ عادة ما ينشأ نتيجة زيادة الإنتاج على الاستهلاك في معظم القطاعات الاقتصادية أو في قطاع مركزي كالقطاع المالي أو القطاع النفطي أو الصناعي أو العقاري وهنا تمتد مدته وتتضاعف مخاطره مثل ارتفاع معدلات البطالة وانخفاض معدلات الرواتب والأجور نتيجة انكماش الكثير من القطاعات الاقتصادية التي يتأثر بعضها ببعضها الآخر.من السهل على أي مواطن أن يرى أن القطاع المركزي بالنسبة لبلادنا هو قطاع النفط وهو قطاع يعاني زيادة في المعروض مقابل المطلوب لذلك هبطت أسعاره إلى نحو النصف أو أكثر في بعض الأيام منذ نحو أكثر من عام تقريبا وما زالت الدول المنتجة تتفاوض على تخفيض الحصص للسيطرة على الأسعار. انخفاض أسعار النفط والظروف الجيوسياسية ومتطلباتها أثرا سلبا في الإنفاق الحكومي المحرك الأساس للاقتصاد السعودي بجميع قطاعاته، وبالتالي فالجميع بات يتخوف من دخول بلادنا في مرحلة تباطؤ اقتصادي تؤدي لحالة من الركود مستقبلا ما لم نتدارك الاقتصاد بحلول تنشيطية بالتزامن مع حركة أسعار النفط في نطاقات معقولة والاستثمار الأمثل للفوائض المالية التي وفرتها بلادنا في السنوات السِمان. كل من يفهم ألف باء الاقتصاد يدرك أن منع دخول البلاد في حالة من التباطؤ أو الركود الاقتصادي يفوق في أهميته أي قضية اقتصادية حاضرة مهما كانت مهمة، وتقول المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي كريستين لاجارد "إن مخاطر الركود على الاقتصاد العالمي أكبر من مخاطر التضخم"، ولذلك فإن صناع السياسات في ظروف الركود الاقتصادي المحتمل أو الواقع يتخذون إجراءات جريئة يكون بعضها غير تقليدي وغير شعبي لدعم الانتعاش الاقتصادي"، وأقول إنه بلا شك فإن خطورة التضخم في أي قطاع لا توازي مخاطر عدم حصول المواطنين على فرصة عمل توفر لهم أبسط سبل العيش الكريم. ونحمد الله أن هبوط أسعار النفط عالميا عادة ما يتزامن بانخفاض معدلات التضخم دوليا، ولذلك نجد انخفاضا متزامنا لكثير من السلع والخدمات المستوردة أو المنتجة أو المقدمة محليا ولقد بتنا نرى الانخفاضات السعرية في كثير من الموارد الغذائية والسلع المعمرة والقادم أكبر إذا ما ضعفت السيولة في يد المستهلكين في السنوات المقبلة كما هو متوقع، وبالتالي فحل مشكلة التباطؤ لن يتعارض بشكل كبير مع مشكلة التضخم بشكل كبير أو حاد. أفضل علاج لمنع حدوث التباطؤ أو الركود الاقتصادي هو رفع الإنفاق الحكومي الاستهلاكي الذي بدوره ينقل البلاد إلى حالة النمو وعادة ما يتزامن ذلك مع تخفيض الفائدة بواسطة البنك المركزي لخفض المدخرات وزيادة الديون التوسعية لشركات القطاع الخاص، وهذا ما لجأت له الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان عندما أصابها الركود الاقتصادي، حيث تمت زيادة الإنفاق والإقراض عن طريق طباعة النقد أو ما أُطلق عليه برنامج "التيسير الكمي" حتى خرجوا من الركود خلال السنوات السبع الماضية بعد أزمة 2008 المالية. دول أخرى كبلادنا لا تستطيع حل المشكلة بطباعة النقد لمواجهة الركود المحتمل لعدة اعتبارات ولذلك يجب أن تبحث عن حلول أخرى لتجنب الركود وما يترتب عليه من ارتفاع في البطالة وانخفاض في دخل المواطنين وخصوصا أننا نعاني البطالة حاليا وانخفاض في معدلات الأجور ببعض الوظائف مقارنة بالدول الخليجية المجاورة. من أهم هذه الحلول كما هو معلوم في الأنظمة الرأسمالية تنشيط القطاع العقاري الأكبر والأضخم والقادر على تحريك معظم القطاعات الاقتصادية حال انتعاشه وهذا ما فعلته الولايات المتحدة عند ظهور علامات الركود في بداية رئاسة بوش الابن عام 2001، حيث تم تنشيط القطاع العقاري عموما والإسكاني منه على وجه الخصوص الأمر الذي مكنهم من تجاوز الركود للانتعاش ودخول حرب أفغانستان والعراق وتحمل نفقاتهما الهائلة. ماذا نحن فاعلون لمواجهة الركود الاقتصادي المُحتمل أو الواقع؟ من وجهة نظري إن مواجهة الركود المُحتمل أولوية ليس قبلها أي أولوية أخرى ويجب أن تكون محور السياسات الاقتصادية خلال السنوات الخمس المقبلة لارتباطها بالبطالة ومعدلات الأجور وخصوصا أنها مرتبطة بالبطالة بين الشباب وهي البطالة الأكثر خطورة وجميعنا نعلم أن مجتمعنا شبابي يضخ مئات الآلاف من الشباب سنويا لسوق العمل التي يجب أن تكون منتعشة ونامية لاستيعابهم وتوفير الأجور المناسبة لهم ليتمكنوا من مواجهة ظروف الحياة ومتطلباتها. القطاع العقاري الذي يجب أن يلعب دورا كبيرا في دعم جهود الدولة لمعالجة الركود الاقتصادي وتداعياته يعاني ركودا منذ عام 2012 نتيجة لدخوله في حالة من الضبابية الأمر الذي جعل الكثير من المستثمرين يحجمون عن الاستثمار في القطاع العقاري ويجمدون أموالهم أو يتجهون بها لدول خارجية كالإمارات وتركيا وأوروبا، ولقد انعكس هذا الركود على كثير من القطاعات الاقتصادية الأخرى وأثر سلبا في أكثر من 120 نشاطا اقتصاديا وبالتالي أثر سلبا في معدلات توليد الوظائف والفرص الاستثمارية في القطاعات كافة. يقول قائل إن ركود القطاع العقاري سيخفض أسعار العقارات ويسهم في حل المشكلة الإسكانية، وأقول لا بأس في ذلك وقت الانتعاش ولكنها الأولويات وأنا على ثقة بأننا نتقن فن فهم الأولويات وأن نضع السياسات العلاجية المناسبة لكل مرحلة وفق الأهم فالمهم والمرض أهون من الموت مع مراعاة أن القوة الشرائية المتاحة للمستهلكين ستلعب دورا كبيرا في تحديد سقف أسعار الأراضي والعقارات وستكون لها الكلمة الحاسمة في الأسعار. ختاما، القطاع العقاري يمكن أن ينتعش وينعش معظم القطاعات الأخرى متى ما تم تحويل حجم الطلب الكامن على الوحدات السكنية إلى طلب حقيقي يحفز شركات التطوير لتلبيته باستقطاب استثمارات محلية وأجنبية تتحفز للاستثمار في السوق السعودية الواسعة.
إنشرها