Author

الاقتصاد المصري

|
مستشار اقتصادي
من فترة لأخرى لابد من مراجعة اقتصادات الدول المهمة في المنطقة على الرغم من أن الاقتصاد المصري أصبح أصغر قليلا من اقتصاد الإمارات وأعداد السياح لدبي أكثر من السياح لمصر إلا أن مصر جديرة بالمتابعة. على أثر التوسع في قناة السويس واكتشاف الغاز في مصر في آب (أغسطس) 2015 سادت حالة من التفاؤل النسبي حول اقتصاد مصر ولكن سرعان ما تبخرت خاصة بعد تحطم الطائرة الروسية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2015 و الانخفاض الحاد في مداخيل السياحة. المفاجئ في الحالة المصرية في السنوات القليلة الماضية هو تسارع نسبة النمو السكاني بعد أن سجل انخفاضا ملحوظا منذ بداية الألفية، فبعد أن وصلت نسبة النمو إلى 2 في المائة عادت لتصل 2.2 في المائة (الفرق كبير من ناحيتين الأولى أن القاعدة السكانية كبرت ولذلك فإن أي تغير صغير يصبح مهما والثانية ولعلها الأهم أن نسبة 2.1 في المائة تعتبر النسبة التي يستقر عليها عدد السكان). سجلت الزيادة مليون مولود جديدا لأول مرة في النصف الأول من عام 2016 طبقا لمركز الإحصاء المصري. المسألة السكانية مهمة لأنه لابد للاقتصاد أن ينمو بسرعة أعلى للمحافظة على نمو حصة المواطن المتوسط من الدخل القومي، ولذلك فإن دخل الفرد المصري سجل انخفاضا. في آذار (مارس) 2016 تم تخفيض الجنيه المصري مقابل الدولار بنسبة 14 في المائة ليصل إلى 8.78 ولكن سعر السوق غير الرسمية وصل إلى أكثر من 12 وبالتالي أسهم في رفع نسبة التضخم لتصل نسبته إلى 12 في المائة. التضخم العالي وشح العملات الأجنبية أدخل البنك المركزي المصري في سباق غير صحي بين ارتفاع أسعار الفائدة (التي تحد من الاستثمارات الخاصة بسبب ارتفاع أسعار القروض) وبين التضخم الأكثر ضررا في المدى البعيد. خيارات البنك المركزي الصعبة ليست الوحيدة، فالمالية العامة أيضا تعاني فحين أعلنت الميزانية العامة لعام 2017/2016 التي تصل إلى 936 مليار جنيه (105 مليارات دولار بالسعر الرسمي و78 مليارا بالسعر غير الرسمي) وبعجز يصل إلى 10 في المائة من الدخل القومي (مستوى من العجز غير قابل للاستمرار دون تزايد القروض خاصة في ظل تناقص الدعم بسبب تناقص أسعار النفط من ناحية وعدم فعالية دوره في تحسن اقتصاد مصر تاريخيا). مما يفاقم الإشكالية أنه على الرغم من انخفاض النمو الاقتصادي إلا أن ميزان المدفوعات سجل تراجعا، حيث لم تسجل الواردات انخفاضا مقارنة بنمو الصادرات. النتيجة أن الاقتصاد المصري دخل دائرة غير صحية. هذه الأوضاع المالية والاقتصادية اضطرت الحكومة إلى جلب المساعدة من دول الخليج والاقتراض الداخلي والخارجي (الاقتراض الداخلي مهم لأنه يزاحم اقتراض القطاع الخاص). كما أن انخفاض أسعار النفط لن يترك فرصة كبيرة لمساعدة مصر لمدة معتبرة خاصة أن التوقعات حول إصلاح الاقتصاد المصري محدودة لأسباب كثيرة. في الآخر يصعب أن يحدث أن يحدث تغير معتبر في الاقتصاد المصري دون زيادة القاعدة الضريبية وتعديل هيكل المصروفات العامة. تشكل المصروفات نحو 30 في المائة من الدخل القومي، وجزء كبير يذهب للدفاع والأمن على حساب الاستثمارات البشرية والخدمية وبالتالي تستمر القاعدة الضريبية ضعيفة، حيث كانت تشكل نحو 14 في المائة من ميزانية 2009 /2010 ، بينما تشكل نحو 12.4 في المائة من ميزانية 2014/2013. تغير هذه الأنماط والعلاقات المالية والاقتصادية يتطلب خيارات سياسية مختلفة وتحديات للنخبة المصرية. السنوات القليلة المقبلة مهمة ولذلك علينا المتابعة والرصد.
إنشرها