Author

الخطط الاستراتيجية والتحديات الإحصائية والمنهجية

|
يعرف التخطيط الاستراتيجي في أبسط صوره بأنه عملية وضع الأهداف وكيفية الوصول إليها، ولا شك أنه للوصول إلى تلك الأهداف يجب أن يكون هنالك رؤية واضحة، تترجم إلى أهداف رقمية كي تسهل إدارتها وقياسها. وكما تشير موسوعة الاستراتيجيا إلى أن هناك جدلية ما بين الغايات والوسائل، أي أن هنالك علاقة ما بين الاستراتيجية وعلم التنسيق Praxeologie - الاستراتيجية هي العلم إن اخترنا التركيز على المعرفة وعلى الطريقة أو هي الفن إن فضلنا التجربة في العمل الإنساني الهادف، والإرادي، والصعب. وهي تركز على إضفاء "سمة واعية ومحسوبة للقرارات التي بواسطتها نريد تغليب سياسة ما" بحسب بوفير Beaufre وكلمة سياسة هنا يجب أن تفهم بمعناها الأكثر اتساعا. وإذا، فالاستراتيجية هي في صميم العلم العملي أو علم العمل. ويمكن الحديث عن المعلومات كأسس يتم الاستناد عليها للتخطيط، تتحول بعد ذلك إلى بيانات ثم إلى معرفة، وأخيرا تصل إلى الحكمة، وتنعكس العمليات المنهجية في الوصف ثم التحليل والتفسير حتى تصل إلى توجيه الظاهرة. وقبل وضع الأهداف في الخطة الاستراتيجية يجب معرفة أين نحن الآن، وما العناصر التي نقيسها، وكيف تم قياسها، لأنه قد تتولد إشكاليات بسبب عدم دقة البيانات التي ستتحول بعد ذلك إلى معلومات ومعرفة، يتم أخذ القرارات بناء على تلك البيانات الأساسية. و تواجه الخطط الاستراتيجية إشكاليات متغيرة ومركبة، تكمن في التفاصيل وفي البيانات ومدى دقتها، وصحتها، ناهيك عن التغيرات المستمرة، أو العوامل المتعددة المؤثرة في الظاهرة والهدف. ولذا، التأكد من الإحصائيات الميدانية عمل مهم جدا، وكذلك عدم الاعتماد على نوع معين من المنهجيات الكمية مثلا دون الأخرى، وأيضا المنهجيات النوعية لتلك العناصر غير القابلة للتحويل إلى أرقام. وهناك سجال علمي بين العلماء في منهجيات الأبحاث الكمية والمعتمدة على رقمنة كل شيء وتحويله الإنسان إلى روبوت وأهداف مصمتة، والنوعية التي تسعى "لأنسنة" الظاهرة، وبلا شك أن الجمع بين تلك المنهجيات مهم جدا، فوضع الأهداف الرقمية مهم جدا في قياس تطور الوضع. ونذكر مثالا في التخطيط على المستوى الرياضي والشبابي، وحاليا مع أحداث دورة الألعاب الأولمبية وتلك الفرق من جميع دول العالم التي تخطط قبل فترة طويلة لمثل هذه التظاهرة الرياضية العالمية تصل إلى ثماني سنوات، وضمن منظومة متكاملة ومجتمع يحفز على النشاط البدني والسلوك الصحي، وتلك المنتخبات تقوم على جمع بيانات اللاعبين والفرق من الناحية البدنية والفنية بشكل رقمي وغيرها من الإحصائيات ومن ثم وضع الأهداف لها ومؤشرات القياس، ومتابعة ذلك عن طريق وسائل التقنية المختلفة، مع خطط تدريبية عامة وخاصة، وهي كذلك تأخذ بعين الاعتبار الجوانب النفسية والمعنوية، التي يمكن قياسها بشكل نوعي، ضمن منظومة إدارية وفنية وسياسية التي من شأنها شحذ كل الموارد باتجاه ذلك الهدف، والأخذ في عين الاعتبار جميع العوامل المؤثرة داخليا وخارجيا. ومع التقدم التقني والربط الإلكتروني الذي يتسم به العالم اليوم، وخصوصا في المملكة مع انتشار وسائل التقنية واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح مطلبا تفعيل الأدوات التقنية في كل مناحي الإنتاج والتخطيط، وإدارة المشاريع، حيث يتطلب من المخطط الاستراتيجي، الأخذ في عين الاعتبار، الاستخدام الأقصى لتلك التقنية، لتسريع عمليات الوصول للأهداف، ومتابعتها، وتفادي العمل البيروقراطي الذي يعوق العمل الطموح، الذي يحاول أن يسابق الزمن لتحقيق الأهداف. من الأهمية التركيز على عاملين منهجيين هما المكاسب السريعة، وهي تأتي كمثال عن طريق صياغة أو تعديل سياسات موجودة، لا تكلف شيئا، لكنها في الوقت نفسه تؤثر بشكل كبير، وتضع ثقة أكبر بالجهة المنفذة للمشاريع، أما العامل الثاني فهو إدارة أصحاب المصلحة، فكثير من الأهداف تحتاج لتضافر جهات أخرى تقتسم الصلاحيات على ذلك الهدف من ناحية المسؤولية أو التمويل، فلا يجب اعتبارها عائقا من كلا الطرفين بل فرصة لصياغة نجاحات وقصص ملهمة، تعطي الفضل للتعاون من أجل تحقيق المصلحة الوطنية، وهنا يلزم بلا شك تفعيل وسائل الاتصال ومهارات التفاوض العالية من أجل الوصول للأهداف المشتركة والتذكير بالرؤية، لا سيما مع الرؤية الطموحة لعام 2030 التي تستلزم استخدام كل الأدوات وسلوك الطرق الصحيحة لتحقيقها.
إنشرها