Author

نار يا حبيبي نار

|
أهلا بكم في مقتطفات السبت رقم 602 *** *حافز السبت: النار حولنا، والنار تحيط بنا، النار فوقنا، والنار تحتنا، وأقواها نار الإيمان والأمل داخل نفوسنا. *** الرأي وصلني هذا السؤال: "أنا رجل سبعيني، الفلسفة شغلي الشاغل، وأقصد الفلسفة الكونية الفيزيائية المادية، ومن متابعتي لك لسنين أراها شغلك مثلي. وسؤالي: "ما هي برأيك أكبر ظاهرة بأصل المسيرة الإنسانية من الكهف ليومنا هذا؟" يوما يا سيدي كنت مهتما بنشوء حضارات وهجرة المالينيزيين، وملاحظتي أنهم شعب أصر أن ينزح ويعيش من وفي جزر بركانية. لم أجد جوابا محددا يشفي "نار" غليلي. حتى تابعت احتفالا طقسيا يقوم به البلوينيزيون بالجزر التي يصلونها ويبقون بها، فهم يقيمون طقوسا للعناصر الأربعة. والعناصر الأربعة عندهم ليست كما بعهد الفلاسفة الإغريق القدماء: (الهواء، والتراب، والنار، والماء) وهي عناصر جرت بالحضارات القديمة كالفراعنة وحضارات ما بين النهرين، وعند الهند والصين.. بتفاوت رؤيوي بما وراء الحياة، إلا أن البلوينيزيين كانت عناصرهم الأربعة هي: النار والنار والنار والنار. ويقسمون النار لأنواع شريرة وطيبة، وربما هذا سبب إصرارهم السكنى بجانب البراكين بجزر ترابها من نار حممية بركانية. إذن أجاب البولينيزيون عن سؤالنا؛ الظاهرة الأولى والباقية بالمسار الحضاري، هي النار". *** النار في البدء من رسومات كهفية ساحقة القدم بفرنسا والباسك اتضح أن الشعلة (وستبقى فيما بعد الركيزة الإنسانية الدينية والأدبية والعلمية والعاطفية التي تنطفئ كشيء واهن، أو تبقى مضطرمة بعنفوان جامح). الشعلة قلبت الحياة البشرية الأولى، وفتحت فصلا جديدا لم يعهدونه من قبل، صارت الشعلة الدليل لمزيد من معرفة طرق وخبايا الكهوف، ولاحظوا أن الهوام ترتعد خوفا من نار الشعلة، فعرف البشر الخروج للعراء ومواجهة الضواري بالتلويح بالنار، كما انقلب حتى تشريحهم البدني عندما وجدوا أن مذاق اللحم المشوي يدوخ اللسان. وبدأ عصر الطبخ.. بالباربكيو): *** الأديان عُبدت الشمس من فجر البشرية فهي كتلة من نار، وبقيت معبودة قرونا طوالا، أقدم عبادة منتظمة بطقوس هي الزرادشتية، حيث تقدس النار بطقوس ونصوص، وإن كان بعض الثيلولجيين سيقولون إن الديانة السنسكريتية الهندوكية سبقت إلا أنه يثبت من أقوال "بوذا" استرشادات من زرادشت. ثم نزلت الأديان السماوية، ودور النار الرئيس (جهنم، الجحيم) إما كعقاب وإما كمطـهر عظيم. *** العلوم منذ عرف الإنسان قدرة النار على تحويل المواد أو تغييرها بدءا من اللحم المشوي، أدخلها السحرة بشعوذاتهم. "توماس كوك" الكشاف الإنجليزي لما وصل لجزيرة بولينيزية ليستعمرها للتاج البريطاني ثاروا عليه، فأخرج من جيبه قداحة وأوقد جذوة نار، فانبطح القوم وحسبوه إلها يأتي بالمعجزات. وبالنار "اشتعل" علم الكيمياء حتى أن بعض العلماء صادهم مس جنون بقدرة الكيمياء والنار فظهر ما سمي بالخيمياء وهو خرافة تحويل المعدن الرخيص لمعدن نفيس.. وتعرفون الباقي. *** العاطفة والاستعارة لم تستخدم كلمة بالعاطفة والمشاعر مثل كلمة "نار"، فلم يوجد شاعر واحد بكل الدنيا لم يستعمل جملة نار الحب، أو نار الشوق. وتستعار كثيرا مثل "نار الحماسة"، و"اشتعل الرأس شيبا"، و"نار الغضب". أعظم مآسي البشر من النار كحرائق المدن، ونيران الحرب، أو تقطر رقة وعذوبة كنار الشموع.. والأمثلة كثيرة مثل "نار" "تشتعل" بهشيم. *** والمهم أشهر أغاني عبد الحليم حافظ يقول فيها: "نار يا حبيبي نار!" *** التوديع أسأل الله أن يذكي "دفءَ" الإيمان بنفوسكم، والدفء من نتائج النار.
إنشرها