Author

عن الحقوق المهدرة

|
كثير من أولئك الذين يتحدثون عن حقوق الإنسان، لا يرون من حقوق الإنسان سوى جانب واحد يرتبط بالشق السياسي. ولذلك يتحول الحديث عن حقوق الإنسان في العالم العربي إلى حوار طرشان. إذ إن الذهن ينصرف عن حقوق الإنسان باعتبارها ممارسة وسلوكا جمعيا، إلى مجرد مطالبات وتنظيرات تربط كل المشكلات بمطلب واحد يتعلق بالحرية السياسية. وكثير ممن يتحدث عن حقوق الإنسان، يحتاج أولا إلى مراجعة سلوكياته وتعاملاته مع محيطه قبل أن يحاكم الواقع من حوله. إن التجارب العربية كلها بلا استثناء، أفضت إلى إخفاقات، جعلت السلوك الديمقراطي المشوه يغدو مُعوِّقا للتنمية، حيث أضحت الديمقراطية والتمثيل الشعبي مجرد أسهم تأخذ كل عشيرة أو طائفة منها ما تستطيع، بصرف النظر عمّن يتصدر لهذه المهمة، فهذه المسائل تتعلق بترتيبات تجعل الوصول للتمثيل مقترنا بضوابط ليس شرطا أن تكون الكفاءة من محدداتها. هذه الحقيقة يقفز عليها كثير ممن يتحدث عن الديمقراطية في العالم العربي، ربما لأنه يعتقد أن نقد هذه التجارب سوف يؤدي للتأثير في شعبيته. لكن واقع الحال يؤكد أن هؤلاء يجورون على حقوق الناس، بتوظيف هذه المسألة سياسيا، والزج بالبسطاء في أتون مواجهات تفضي إلى مذابح وتهجير، وبدلا من تحسين الواقع المعاش تزداد الأوضاع سوءا، وقد شهدنا هذه المآلات في كل الدول التي أصابتها آفة الخريف العربي. إن حقوق الإنسان الحقيقية، تبدأ من شعور الفرد بأن عليه واجبات اجتماعية. غياب هذا الإحساس، أشاع الأنانية الفردية، وأوجد أفكارا مغلوطة، وجعل التطرف يتسيد، بسبب الإلحاح على تفسير مغلوط لمسألة التمايز والتفوق والاصطفاء الديني وسواه. إن نجاح فكرة حقوق الإنسان النبيلة، يبدأ بشعور الإنسان بالاستحقاقات التي تجب عليه تجاه إعلاء قيمة حقوق الإنسان في البيت مع أسرته، وفي الشارع مع محيطه الاجتماعي، وفي بيئة العمل... إلى آخره. عندما تصبح هذه القيمة سلوكا جمعيا، وعندما يدرك كل فرد أين تبدأ حريته ومتى تتوقف، ستكون الحياة أجمل، ولن تجد عصابة داعش أو سواها من جبهات التطرف بيئة حاضنة. لأن المجتمع بأكمله سيدافع عن حقوق كل أفراده وأطيافه ومكتسباته.
إنشرها