Author

إعادة تأهيل الأحياء وسياسات التخطيط

|
تبدأ دورة حياة الحي السكني من مرحلة النمو ثم الاستقرار فالتراجع وأخيرا إعادة التأهيل، تتميز كل مرحلة من هذه المراحل بعلامات ينبغي للجهات المعنية بتخطيط المدن أن تعيها وتعمل على متابعتها لتتخذ اللازم عند كل مرحلة، وكذلك ينبغي للمستثمر العقاري والمطور أن يتتبع وضع السوق الذي يستهدف الاستثمار فيها، حيث إن هناك دورة للسوق العقارية بشكل عام تخضع لمؤشرات اقتصادية كلية وجزئية، وكذلك هناك دورة ملموسة للسوق أو الحي المستهدف الاستثمار فيه، وكل هذا يتضح من خلال تتبع مؤشرات الاقتصاد الكلي والجزئي، التي تؤثر في السوق العقارية، وكذلك معرفة الحالة الراهنة للأحياء المستهدفة بالاستثمار داخل المدينة؛ وذلك للحصول على أفضل العوائد الممكنة كمستثمر، وكذلك الاستقرار لأطول مدة ممكنة كساكن. تبدأ دورة حياة الأحياء بمرحلة النمو، حيث يكون الحي في منطقة جديدة ومرغوبة، ويغلب على تلكم المرحلة في عرف سوقنا السعودية أن يكون الحي مخططات مكتملة البنية التحتية، ومجزأة إلى قطع أراض ذات مساحات تتسع لوحدات سكنية من نوع فيلات مثلا، ويكون الطابع العام للحي في مرحلة النمو كثرة الأراضي وقلة المساكن، فلا تكاد الوحدات السكنية المكتملة أو التي تحت الإنشاء تغطي 25 في المائة من إجمالي مساحة الأراضي في تلك الأحياء، لذلك قد يبدأ البيع في تلكم الأحياء بمزادات علنية من قبل المطور للبنية التحتية، وغالب من يشتري في هذه المزادات هم المضاربون الذين يتوقعون إقبال الناس مستقبلا على الأراضي، فتجدهم يشترون مجموعة من البلكات، ويبدأون في تجزئتها لقطع، ويحصلون على الربح من خلال بيعها كقطع متفرقة أو اكتنازها حتى يكثر الطلب ويزيد النمو وبيعها بعد نمو قيمتها خلال سنوات متفرقة. أما المرحلة الثانية، وهي مرحلة الاستقرار، التي يصبح فيها التكتل العمراني للحي مكتملا، فلا تكاد تجد أرضا بيضاء وسط هذه الأحياء، وهذه المرحلة من المفترض أن تكون عليها غالب الأحياء السكنية داخل المدن الرئيسة خاصة، التي تتميز بوجود الطلب العالي عليها، لذلك ترك الأحياء تنمو في الأطراف وتتوسع بشكل أفقي دون محاولة سد الفجوات الخالية من الأراضي البيضاء داخل المدن، سيؤدي إلى ارتفاع تكلفة الخدمات المرتبطة بتشغيل الحي وصيانته. بعد ذلك يبدأ الحي بالتراجع، فهذه المباني سواء كانت سكنية أم تجارية لها عمر افتراضي واقتصادي محدد، ولن تكون كفاءتها الفنية بعد 30 سنة مثل كفاءة المباني الجديدة، وكذلك لن تتوافر في هذه المباني القديمة المتطلبات الحديثة الحالية في التقسيم المعماري للوحدات السكنية أو التجارية، التي قد تكون أمورا أساسية حاليا، لكنها فيما مضى كانت تعتبر شيئا ثانويا، فمثلا منافذ الإنترنت تعتبر شيئا أساسيا في وقتنا الحاضر، ولم يكن أحد يفكر فيها قبل 20 عاما، وهذا مثال سريع وبسيط على تغير المتطلبات، وبالتالي سرعة انتهاء العمر الاقتصادي للمباني واعتبارها في مرحلة تراجع. وبعد أن يكون الحي قد وصل إلى أوج تراجعه من حيث كفاءة مبانيه وعدم تلبيتها للمتطلبات الحديثة لساكنيها، من المفترض أن تشهد المنطقة إعادة تأهيل وتنشيط ليتم تجديد هذه المناطق لترجع مرة أخرى إلى مرحلة النمو والنشاط الاستثماري والتطوير، فتصبح منطقة جاذبة بعد أن كانت منطقة طاردة، ويحرص على السكن والاستقرار فيها من كانوا من قبل يعتبرونها منطقة متهالكة غير صالحة إلا لسكن العمالة ذات الدخل المنخفض، ويلاحظ أن هذا هو الطابع السائد في الأحياء التي تتوسط المدن الرئيسة مثل الرياض وجدة وغيرها، حيث تكثر الوحدات السكنية المتهالكة، التي قد لا يوفي غالبها أدنى اشتراطات السلامة الفنية، كما أصبحت بعض الأحياء أماكن موبوءة تكثر فيها المشكلات الأمنية، وأضحت أماكن لإيواء العمالة الوافدة المتخلفة، التي بلا شك لها عديد من الأضرار الاقتصادية على المجتمع. الخلاصة، تحفيز التوسع في الأحياء ونموها على أطراف المدن لا بد أن يكون مدروسا، والأهم أن يسبقه التأكد من أن الأحياء القائمة حاليا وصلت مرحلة الاستقرار الذي يكون من خلال سد أي فراغات داخل تلكم الأحياء، وجعل الوحدات السكنية هي الأصل، إضافة إلى الضغط على أصحاب الأراضي البيضاء في تلكم المناطق المخدومة لتطويرها وبناء وحدات سكنية وتجارية عليها، وفي الوقت نفسه لا بد من الالتفات لثروة الأراضي السكنية الموجودة حاليا في الأحياء التي تعد في مرحلة التراجع ومحاولة نقلها إلى مرحلة إعادة التأهيل عبر تحفيز أصحابها والمطورين العقاريين بضخ الاستثمارات فيها ليعاد بناؤها بشكل يلبي الاحتياجات الحالية للأسرة، وذلك بوضع مخططات إعادة تأهيل شاملة تتضمن مميزات متعددة مثل ارتفاع الأدوار وغيرها لتحفيز المطورين للمساهمة فيها، وكذلك عمل برامج خاصة للملاك الأفراد تتضمن الجوانب الفنية والتمويلية لتجديد الوحدات السكنية وإعادة تصميم المساحات الكبيرة منها إلى مساحات أصغر يمكن أن تأوي عدة عائلات بدلا من عائلة واحدة، وبهذا نكون قد أعدنا إحياء هذه الأحياء بدلا من تركها مهملة.
إنشرها