Author

تعثر أسواق البنزين يشير إلى ضعف توقعات الطلب

|
على مدى العامين الماضيين، كانت ديناميكية أسواق النفط تتمحور إلى حد كبير حول معدل فائض الإمدادات. تشهد الأسواق الآن إعادة توازن في العرض والطلب في الغالب بسبب تراجع الاستثمارات في المشاريع الاستخراجية نتيجة انخفاض الأسعار، التي أثرت أولا في إمدادات النفط الصخري في الولايات المتحدة قبل أن ينتشر تأثيرها على نطاق أوسع بين المنتجين خارج "أوبك". ولكن نمو الطلب العالمي على النفط لعب أيضا دورا في عملية إعادة التوازن للأسواق، جزء كبير من ذلك يكمن في قوة أسواق البنزين. لذلك يعد الانخفاض الأخير في هوامش أرباح البنزين مصدرا محتملا للقلق بخصوص نمو الطلب، خصوصا إذا ما أخذنا في الاعتبار ارتفاع إجمالي مخزونات المنتجات بصورة عامة. في العام الماضي، نما الطلب العالمي على النفط بمعدل 1.9 مليون برميل في اليوم، ما يعكس تأثير الانتعاش الاقتصادي وانخفاض أسعار النفط. ما يزيد على 40 في المائة من هذا النمو كان نتيجة زيادة استهلاك البنزين، لا سيما في الأسواق الأمريكية والصينية. قوة نمو استهلاك البنزين لم تكن الأولى. في هذا الجانب تشير نشرة شركة بريتيش بتروليوم 2016، لاتجاهات الطاقة العالمية إلى أن نمو الطلب على البنزين شكل نحو 40 في المائة من نمو إجمالي الطلب العالمي على النفط منذ عام 2012. هذا المعدل أعلى بكثير من 9 في المائة التي شهدها في الفترة بين عامي 2004 و2011، عندما كان الديزل المنتج الرئيس المسؤول عن معدلات نمو الطلب المرتفعة في الاقتصادات الصناعية للدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. لقد كان نمو الطلب على البنزين بمعدل 800 ألف برميل في اليوم في العام الماضي بمنزلة مفاجأة كبيرة لهذه الصناعة. وفي الربع الثالث تراجع مستوى مخزونات البنزين إلى معدلات مقاربة أو دون متوسط الخمس سنوات في كل من الولايات المتحدة وأوروبا. وساعدت مشكلة إنتاج الأوكتان على تعزيز الأسواق أكثر، ما دفع هوامش البنزين إلى الارتفاع فوق 30 دولارا للبرميل لفترة طويلة في أسواق حوض الأطلسي. أخذت المصافي الدرس من قوة الطلب في عام 2015 واستجابت هذا العام من خلال تخزين كميات كبيرة من البنزين. يعد هذا الإجراء رد فعل طبيعيا للصناعة في مواجهة العجز. نتيجة لذلك ارتفعت مخزونات البنزين في الولايات المتحدة وأوروبا بنحو 40 مليون برميل فوق متوسط الخمس سنوات. ومهد هذا الطريق إلى مرحلة انخفاض كبير في أسواق البنزين في الأسابيع القليلة الماضية. منذ 22 حزيران (يونيو)، تراجعت الهوامش بنحو 5 ــ 8 دولارات للبرميل في مراكز التكرير الرئيسة، وفي سنغافورة بلغت أدنى مستوياتها في عامين ونصف العام. في شمال غرب أوروبا، تراجعت هوامش البنزين إلى أقل من ثمانية دولارات للبرميل للمرة الأولى في أكثر من ثلاثة أشهر، وتعمقت حالة التأجيل Contango في منحى الأسعار، أي أن أسعار العقود المستقبلية (الآجلة) أعلى من الأسعار الفورية، ما يشير إلى وجود فائض في معروض البنزين. ودفع ضعف الطلب الأوروبي المصافي إلى تخزين البنزين. وبلغت مخزونات البنزين في مستودعات التخزين المستقلة في مركز روتردام نحو 9.5 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في 7 تموز (يوليو). وفي الوقت نفسه، ارتفاع مخزونات البنزين الأمريكية وإنتاج المصافي يقوضان رغبة الولايات المتحدة في الاستيراد. حيث ارتفعت مخزونات البنزين في الساحل الشرقي للولايات المتحدة إلى مستويات قياسية أعلى من 72 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في 24 حزيران (يونيو) وبقي قرب هذا المستوى حتى الآن. ارتفاع المخزونات على الساحل الشرقي كبح جماح الصادرات الفورية من أوروبا إلى الولايات المتحدة، التي انخفضت إلى نحو 615 ألف برميل في اليوم في الشهر الماضي، بانخفاض 125 ألف برميل في اليوم عن الشهر الذي سبقه. انخفاض أسعار البنزين قد يجعل بعض وحدات الإصلاح الحفزي Catalytic reforming ــ التي تحول النافثا الثقيلة إلى منتج عالي الأوكتان لمزجه مع البنزين ــ غير مربحة. لذلك من المرجح أن تلجأ المصافي إلى ضخ مزيد من النافثا الثقيلة إلى الأسواق الفورية. الآن، هوامش البنزين أقل من الديزل في أوروبا وآسيا ــ المحيط الهادئ، وتقريبا متساوية على ساحل الخليج في الولايات المتحدة. عادة لا ترتفع هوامش المقطرات المتوسطة فوق البنزين في وقت مبكر من فصل الصيف في نصف الكرة الشمالي، ومن المرجح أن يدفع تراجع البنزين بعض المصافي إلى تعظيم إنتاج الديزل في وقت مبكر. ولكن مخزونات المقطرات المتوسطة هي الآن أعلى من البنزين. في الولايات المتحدة هي أعلى بنحو 20 مليون برميل من متوسط الخمس سنوات، في حين تحتفظ المصافي الأوروبية بنحو 50 مليون برميل من نواتج التقطير المتوسطة أكثر مما تخزن في العادة. بالفعل منحنيات الأسواق المستقبلية بدأت تظهر هذا التأثير. منحنيات البنزين ونواتج التقطير المتوسطة هي في حالة تأجيل Contango مماثلة ــ حيث إن الأسعار الفورية أقل من أسعار الشهر الثاني بنحو 0.8 ــ 1.0 دولار للبرميل، وهذا خارج عن المألوف بالنسبة للبنزين خلال فترة الصيف التي يزداد فيها الطلب. الحقيقة الأعمق هي أن فائض النفط الخام الذي تراكم على مدى السنوات الثلاث الماضية بدأ ينتقل إلى المنتجات. إنتاج النفط الخام العالمي آخذ في الانخفاض على أساس سنوي، لكن مستويات المخزون العالية باقية والمصافي تحافظ على معدلات تشغيل عالية، وهي على ما يبدو تدفع فائض النفط الخام إلى المنتجات بأسرع مما يمكن استيعابها. من المرجح أن يتم تخفيض معدلات التشغيل استجابة لانخفاض هوامش المصافي ــ وتشير بعض المصادر إلى أن هذا يحدث بالفعل في منطقة آسيا والمحيط الهادئ ــ وهذا قد يفسر بطريقة أو بأخرى المؤشرات السعرية القادمة من أسواق النفط الخام. أخيرا تراجعت أسعار خامات بحر الشمال القياسية وغرب تكساس الوسيط إلى ما يقرب من 45 دولارا للبرميل، بعد أن وصلت فوق 50 دولارا للبرميل قبل ثلاثة أسابيع. تعثر أسواق البنزين قد يكون أحد العوامل وراء هذا التراجع.
إنشرها