Author

تصحيح أخطاء وأوهام عقارية «1 من 3»

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا
ابتداء لا أشك في أن أسعار الأراضي في مدننا الكبرى خاصة,عالية، بحيث أصبحت أسعار قطع الأراضي التي تعودنا على مساحاتها خلال السنوات الأربعين الماضية تتجاوز حدود قدرات أكثر الناس، ولا أشك في وجود ممارسات خداع وتضليل واحتكار في السوق العقارية وغير العقارية بما يسهم في رفع الأسعار على عموم الناس؛ وهو سلوك موجود في البشر قديما وحديثا، ذلك أنه قد زين للناس حب الشهوات بنص القرآن. (وتبعا، هناك من يحبون أن تبقى الأسعار مرتفعة، سواء كانوا عقاريين أو غير عقاريين). شن كثير من الكتاب والناس حملة انتقادات ضد تلك الممارسات، وكانت أحد أسباب صدور نظام رسوم الأراضي البيضاء، ولا شك أن البعض يجهد نفسه في إنكار ما نعلمه في علم الاقتصاد ضرورة، إذا شم فيه رائحة توقعات تخالف أهواءه أو ظنونه، ومن أوضح الأمثلة إنكار بعضهم تأثير رسوم الأراضي في الأسعار والعرض بما يصب في مصلحة الناس. وقد كتبت أكثر من مقال عن تأثير رسوم الأراضي. في ظل الأوضاع السابقة، يسألني كثيرون عن رأيي في أحاديث كثيرة يتوقع أصحابها هبوطا كبيرا أو انهيارا وشيكا في أسعار العقارات والأراضي خاصة. وأجيب باختصار أن هذه الآراء تستند إلى أمان وحيثيات لا تخلو من أخطاء وأوهام أو تضليل إن أسأنا الظن. وقد رأيت أنه ينبغي على مثلي كتابة توضيح وتصحيح فيه تفصيل لكثير من هذه الأخطاء والأوهام، لأن المطلوب أن يكون الناس على بينة من أمرهم بعيدا عن الأماني والأوهام، والغلط لا يعالج بالغلط، هذه قاعدة شرعية وقانونية. مؤشر القدرة غير مناسب قال كثيرون إننا أعني بلادنا السعودية ذات مرتبة متأخرة في مؤشر القدرة على تملك السكن؛ وهنا مثال للتوضيح: لنقل إن متوسط سعر الوحدة السكنية في السعودية مليون ريال، ولنقل إن متوسط الدخل السنوي للعائلة يقارب 95.000 ريال، آخذا بعين الاعتبار كل مصادر الدخل الثابتة وشبه الثابتة. كم دخل سنة يكفي لتملك تلك الوحدة السكنية؟ يساوي عشر سنوات ونصف السنة تقريبا، وحسب معايير القدرة هذه المدة طويلة كثيرا، فأسعار متوسط المساكن في أكثر الدول الغنية المسماة متقدمة تساوي تقريبا متوسط دخل مواطن تلك الدول خمس إلى سبع سنوات، ومن ثم، فتلك الدول أحسن حالا من السعودية بناء على مؤشر التملك هذا. المؤشر والكلام السابق كله مضلل.. لماذا؟ ما وجه التضليل فيه؟ تجاهله تفاوت حجم أو مساحة أرض السكن ومسطحات البناء بين الدول، المسكن السعودي من حيث المتوسط أكبر كثيرا في مساحة الأرض ومسطحات البناء من غالبية الدول الغنية المسماة بالدول المتقدمة، ومن يرغب في التأكد من كلامي عليه الاستعانة بمحرك البحث جوجل، حيث المعلومات كثيرة ومتاحة، يقف على رأس الأسباب أن رب الأسرة السعودي يعول في المتوسط أسرة (عدد الأولاد) أفرادها أكبر عددا، بل أكثر من ذلك، نعرف أن كثيرين يسكنون والديهم أو أحدهما معهم بعد أن بلغ من الكبر عتيا؛ وهذا سلوك غير مألوف في الغرب، طبعا يعرف الجميع أنه لا ارتباط أو لا علاقة بين راتب الموظف وحجم أسرته. تكلفة البناء من مواد ويد عاملة تتحدد عالميا توقع انخفاض أسعار العقار كثيرا مثلا إلى النصف أو أكثر يتطلب بالضرورة انخفاض تكلفة البناء بالطرق المعروفة التقليدية انخفاضا ملموسا. ووقوع ذلك بعيد جدا؛ لأن تكلفة البناء تتحدد تقريبا عالميا، كوننا نعتمد على الخارج سواء في اليد العاملة أو المواد، ولا توجد أي علامات على توقع انخفاض تكلفة البناء عالميا في المستقبل المنظور، بل توجد علامات تدل على العكس. طبعا الأمر والحكم يختلف لو نجحنا في تطوير أو اتباع طرق بناء رخيصة غير تقليدية. عوامل متضاربة التأثير هناك عوامل معروفة عملت وتعمل على خفض متوسط أسعار الأراضي، خاصة والمساكن عامة، ولن أدخل في تفاصيلها لأنها أشبعت نقاشا. ما يفترض قوله من باب الحياد أن هناك عوامل عكسية في تأثيرها، تعمل على الحد من تأثير العوامل المخفضة لمتوسط الأسعار، ويبقى النقاش في المسار والقوة.. مثلا، زيادة السكان أو مدى نجاح مشروع التحول الوطني يحد من الانخفاض.. مثال آخر أن نسبة انخفاض الأسعار تتفاوت كثيرا اعتمادا على خصائص المواقع ومستوى التطوير وتوافر المرافق والخدمات بمعناها الشامل، التي يكلف توفيرها كثيرا، ويحتاج إلى وقت طويل لا بد من اعتباره، وظروف الميزانية ستزيد من حدته، وزيادة في التوضيح، نعرف عن يقين أن كثيرين منحوا أراضي قبل عشرين أو ثلاثين عاما، في أماكن أصبحت الآن مرغوبة جدا للسكن، ولكنهم باعوها وقتها بثمن بخس، والسبب بعدها آنذاك عن أبسط المرافق والخدمات.
إنشرها