Author

وزارة الإسكان .. ودعم غير القادرين على دفع السكن

|
عضو اللجنة المالية والاقتصادية ـ مجلس الشورى
نسأل الله في هذه الأيام العظيمة أن يحفظ خادم الحرمين الشريفين ويدله إلى كل ما فيه خير الإسلام ورفعة المسلمين، وما يعزز مكانة المملكة في الأمتين العربية والإسلامية وأن يرزق هذه البلاد الأمن والأمان دعوة أبينا إبراهيم، عليه السلام، لقد جاءت قرارات مجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين في جلسته الماضية في غاية الأهمية وذلك في موضوع وضع ضوابط البت في قضايا غياب بعض المستأجرين أو هربهم وفي ذممهم إيجارات متبقية مع ترك العين المؤجرة مقفلة، ولعل أهم فقرة في القرار وهي التي تعنيني في هذا المقال هي الفقرة الثالثة منه، التي نصت على أن تقوم وزارة الإسكان بإعداد وتنفيذ برنامج لضمان دعم المواطنين غير القادرين على دفع أجرة المسكن، يمول مما قد يخصص له في ميزانية الدولة ومن الإعانات والهبات، والأوقاف التي تخصص لذلك. هذا القرار يحتاج إلى دراسة وفهم شامل، فهناك قضية أشرت إليها من قبل وأتوقع أنها ستتفاقم في السنوات المقبلة وهي تعاظم مشكلة الإيجارات، مع بقاء مستويات الدخل للأفراد بلا تغيير وبقاء نسب التضخم عند مستوياتها الحالية، فالإيجارات سوف تصبح الشغل الشاغل وحديث الشارع، ذلك أنها اليوم لا تقابل مصاريف تشغيل المبنى وصيانته، فضلا أن تقدم عائدا مجزيا للمستثمرين، وستبقى مستويات العرض عند مستوى الاستثمار الفردي الذي يخصص فيه البعض جزءا من سكنهم الخاص للاستثمار على أساس إذا لم يستأجر فسيكون لأحد الأبناء. لكن البناء الاستثماري الكبير من أجل العوائد سيتقلص بسبب ضعف العوائد وارتفاع تكاليف إدارة الاستثمار والتشغيل. وبالتالي سيشح المعروض وترتفع الإيجارات بشكل كبير. لهذا فإن القرار في هذا التوقيت وبهذا الشكل يعتبر حجر الزاوية لموضوعات أكثر في المستقبل، وكما يقال سيكون له ما بعده. القرار يلزم الوسطاء العقاريين ــــ المرخص لهم ــــ بتسجيل جميع عقود إيجار الوحدات السكنية والتجارية إلكترونيا من خلال الشبكة الإلكترونية. وهذا في منطوقه يدل على اتجاه الدولة إلى ضبط جميع العقاريين الذين يزاولون المهنة بغير ترخيص، وإذا ربطنا قضية الحصول على الدعم الذي قرره مجلس الوزراء أن يكون العقد صادرا من مكتب مرخص له، فإن وظيفة مسجلي العقارات تصبح رائجة جدا، ولكن يجب علينا أن نهتم إلى مسألة عدم تكرار مأساة مكاتب الاستقدام ويصبح الحصول على ترخيص لفتح مكتب عقار من أحلام الشباب الضائعة. من المتوقع اقتصاديا أن يقوم هوامير السوق بالضغط من خلال الغرف التجارية ومن خلال كل الوسائل لوضع عوائق قانونية لدخول السوق أو عوائق اقتصادية كشرط رأس المال أو عدد الموظفين أو غيرهما، والهدف ليس تنظيم السوق، بل تعظيم الأرباح لهذا يجب التنبه والتفريق بين قرار لتنظيم السوق يأتي بعد دراسة مستقلة من قبل فريق مستقل وبين مجرد مقترحات مرفوعة من الغرف التجارية ولجانها. وإذا لم يؤخذ هذا الأمر بجدية فإن فرصة إيجاد فرص وظيفية للشباب من خلال أعمال العقارات وتسجيلها ستضيع أمام سطوة كبار التجار ورغبتهم الجامحة في تعظيم أرباحهم. القرار أشار في (2) إلى تشكيل لجنة (أو أكثر) في كل منطقة أو محافظة ــــ بحسب الحال ــــ بقرار من وزير الإسكان، تكون مهمتها التعامل مع الحالات التي يكون فيها المستأجر سعوديا غير قادر على سداد الأجرة أو إخلاء العين، إما بسبب سجنه أو مرضه أو وفاته أو ضعف قدرته المادية. هنا تبدو الأمور متداخلة نوعا ما مع وزارة الشؤون الاجتماعية، فهل وزارة الشؤون الاجتماعية والجمعيات الخيرية التي تطوق البلاد في كل زاوية ليست لديها قاعدة بيانات بهؤلاء غير القادرين على السداد بسبب ظروفهم؟ وإذا كانت الأسر غير القادرة على السداد غير معروفة لدى وزارة الشؤون الاجتماعية والضمان الاجتماعي فما دور الوزارة بالضبط؟ كنت أتمنى أن يكون هناك دور للشؤون الاجتماعية لأن الهدف البعيد المدى هو التكامل وليس أن تتحول وزارة الإسكان إلى عملاق لها ذراع في كل التخصصات. ولأن الشيء بالشيء يذكر أشير إلى القرار الخاص برسوم الأراضي البيضاء، الذي منح وزارة الإسكان حق تحصيل الرسوم وحق وضع غرامات التهرب والتأخير وحق تشكيل لجان الاعتراض، وهذا العمل يخص هيئة الزكاة والدخل، التي لديها من التجربة والتقنية ما يؤهلها لكل هذا فلو أن القرار أشرك هيئة الزكاة والدخل مع وزارة الإسكان لكان خيرا (في ظني). ومع القرار الأخير تحولت وزارة الإسكان من مجرد تنظيم سوق العقار إلى هيئة لها ذراع ضريبية وهيئة لها ذراع اجتماعية. فعليها الآن أن تحدد كل الأسر المحتاجة إلى الدعم وأن تبحث عن مصادر لهذا الدعم. ويؤكد القرار في الفقرة (3) منه أن تقوم وزارة الإسكان بإعداد وتنفيذ برنامج لضمان دعم المواطنين غير القادرين على دفع أجرة المسكن، يمول مما قد يخصص له في ميزانية الدولة ومن الإعانات والهبات، والأوقاف التي تخصص لذلك. وتعليقا على هذا فإن القرار في مجمله مهم جدا وفي وقته الصحيح وسيسهم في تخفيف أعباء الكثير من المواطنين الآن وفي المستقبل، ولكن وضع وزارة الإسكان مع هذا القرار أصبح متداخلا مع الكثير من الموضوعات. فمثلا نحن نعرف أن الأوقاف لها جهة مسؤولة عنها، وأن الضمان له جهة مسؤولة والآن جاءت وزارة الإسكان بدورها لتتداخل في الضمان وفي الأوقاف. وإذا كان فهمي للقرار بأنه سيمنح وزارة الإسكان بناء أوقاف لهذا الغرض فإننا سنحول وزارة الإسكان إلى جهة استثمارية، إضافة إلى كل الأعباء الضخمة التي بيدها، ولعل أهمها اليوم هو حل مشكلة النقص في الوحدات السكنية المعروضة، التي ستتفاقم لاحقا. أكرر مرة أخرى أن القرار مهم جدا ويأتي في وقته، ولكن تحميل وزارة الإسكان بكل هذه المسؤوليات المتعارضة والتداخل، التي تحتاج إلى مختصين مدربين سيعوق الحل، وسنضطر حتما إلى مناقشة مسألة اختصاصات وزارة الإسكان.
إنشرها