Author

التداعيات القانونية لـ«خروج بريطانيا» .. «حرب بلا راية»

|
ما يراه البعض انتكاسة وخسارة واضطراب للاقتصاد العالمي بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد يكون فرصة تاريخية لدول نامية اقتصاديا نحو تحقيق مكاسب.. هكذا يبدو المشهد السياسي والاقتصادي والقانوني لانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وبإعلان بريطانيا لنتائج استفتائها الانسحاب من الاتحاد الأوروبي بدأت حرب قانونية بلا راية. وبين أحلام ولت لم تكن تفكر إلا بتأسيس الاتحاد وغشاها ذلك عن التفكير في قراءة المستقبل، فقد غاب عن حقوقيي الاتحاد الأوروبي رسم آليات وضوابط مفصلة في حال رغبت إحدى الدول الانسحاب منه. فماذا نظمت المادة (50) من معاهدة الاتحاد؟ ولذا جاءت المادة (50) من معاهدة الاتحاد الأوروبي عرجاء، إذ تناولت الانسحاب في صيغة عامة، وفي عبارات على استحياء. ويبدو أن صائغي المعاهدة انشغلوا بتنظيم أحكام تأسيس الاتحاد وفات عنهم الانسحاب منه، ولذا فبريطانيا والاتحاد الأوروبي يواجهان اليوم معضلة قانونية تاريخية. فالمادة (50) التي تنظم الانسحاب أتت متواضعة، إذ أوجبت فقط على الدولة العضو أن تخطر الاتحاد بنيتها في الانسحاب ليجري ترتيب انسحابها وتركت المعاهدة أي تفاصيل دقيقة لذلك. فماذا على بريطانيا أن تفعله قانونا؟ وماذا على الاتحاد الأوروبي؟ على بريطانيا بعد الاستفتاء أن تقوم بإشعار الاتحاد الأوروبي رسميا برغبتها في الانسحاب، وعندئذ على الاتحاد الأوروبي أن يمنح بريطانيا مهلة للانسحاب مدتها عامين من تاريخ الإشعار، ويحاول "كاميرون" أن يصل إلى اتفاق قانوني لائق للانسحاب في حين لا يرى منافسة "جونسون" حاجة إلى ذلك سوى ما تقرره المعاهدة. ما صفة بريطانيا القانونية بعد الإشعار بالانسحاب؟ لن تخرج بريطانيا من العضوية بمجرد الإشعار بالانسحاب، بل ستبقى بريطانيا ومواطنيها ومنشآتها العامة والخاصة عضوا في الاتحاد إلى حين انتهاء مدة السنتين، غير أنها ستفقد تدريجيا مزاياها وحقوقها لدى باقي الدول الأعضاء السبعة والعشرين، ومن المتوقع أن يبعد وزرائها ونوابها من الاشتراك في شؤون الاتحاد. ما تداعيات الحرب القانونية بلا راية؟ تتزعم الدول العظمى الباقية في الاتحاد توجه لمعاقبة بريطانيا بالأدوات القانونية لتكون عبرة لغيرها من الدول التي قد ترغب في الانسحاب مستقبلا، ولذا فليس من المتوقع أن يقدم الاتحاد تنازلات لبريطانيا ما يجعل مدة السنتين لترتيبات الانسحاب غير كافية، وهو ما يضع بريطانيا في حرج ستتأثر أوضاعها بسببه، إذ ستحتاج إلى إجماع من جميع دول الأعضاء لتمديد مدة الترتيبات - وهو أمر يبدو أنه مستحيلا - وإلا ستجد نفسها في آخر يوم من السنتين خارج الاتحاد تلقائيا، ما يجعلها من الآن تتخذ ترتيبات قانونية سريعة، غير أن هذه الترتيبات ستواجه من قبل دول الاتحاد بإجراءات قانونية مضادة تسمى في مثل هذه الحالة " بالإجراءات القانونية الانتقامية". وتحمل التداعيات القانونية التي ستترتب على انسحاب بريطانيا ملفات قانونية ضخمة وحقوق وواجبات والتزامات ومعاهدات ستنسف بالكامل، فعلى بريطانيا أن تقدم نفسها للعالم في منظمة التجارة العالمية على أنها دولة مستقلة لا تتمتع بمزايا المنظمة كدولة عضو في الاتحاد الأوروبي، كما ستفقد بريطانيا اتفاقية الضوابط الحدودية للمهاجرين مع باقي الدول الأعضاء ولن تكون دول الاتحاد ملزمة في منع المهاجرين لبريطانيا بعد أن كان لبريطانيا الحق في اختيار من تشاء منهم، خصوصا أن بريطانيا تعد أحد أكثر الدول في العالم معاناة من الهجرة وأن بعض البريطانيين يرون أن ما أصاب مملكتهم من عقبات وأزمات هي بسبب من استوطنوا من المهاجرين. كما ستفقد الشركات البريطانية مميزاتها في ممارسة الأعمال بحرية في باقي أوروبا بل ستفقد بريطانيا جميع الحقوق المنصوص عليها في الفصل الأول من ميثاق الاتحاد ومنها (الإعفاءات الضريبية حق إدارة الأعمال التجارية، التملك العقاري، التنقل بحرية والإقامة في دول الأعضاء، تسليم المطلوبين والمجرمين، المساواة القانونية بين مواطني الدول الأعضاء، حقوق مزاولة المهن بحرية كالطب والمحاماة والمحاسبة، حق البنوك البريطانية في ممارسة الأعمال المصرفية في باقي الدول، اللجوء والحماية، حقوق الملكية الفكرية) وسيكون على بريطانيا ومواطنيها المسارعة في ترتيب الأوضاع القانونية خلال سنتين أن تقدم نفسها كدولة متحللة من قيود الاتحاد ومزاياه. الأثر القانوني للانسحاب على باقي دول العالم من غير الاتحاد الأوروبي لا تقف التداعيات القانونية وأثرها للانسحاب عند الحدود الجغرافية لدول الاتحاد الأوروبي، بل يتعدى ذلك إلى باقي دول العالم لما لبريطانيا والاتحاد الأوروبي من ثقل في المنظومة العالمية، ولذا فالحرب بينهما بلا راية ستشعل فتيل المنافسة، في وقت يتزامن مع سيادة نظام السوق الحر وتصاعد درجة الحماية القانونية في البلاد الصناعية وتراجع القدرة التنافسية للولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي أمام اليابان والنمور الأربعة ودخول الاقتصاد الدولي مرحلة الاضطراب الاقتصادي. وأمام هذا وذاك. وفي ظل حرب بلا راية، فإن أمام باقي دول العالم "خصوصا النامية" الراصدة القارئة للرؤى المستقبلية فرصة تاريخية في أن تسارع بإعادة صياغة علاقاتها القانونية مع الاتحاد الأوروبي وبريطانيا بما يحقق لها المكاسب، فلم يعد الاتحاد الأوروبي ولا بريطانيا في وضع يسمح لهما بفرض قيود على التجارة البينية "كما سبق عند فرض ضريبة تصدير النفط مثلا" فبريطانيا ليس أمامها سوى خيار واحد وهو أن تكون دولة عظمى وإلا فستكون دولة مريضة، وهو الحال والشأن بالنسبة للاتحاد الأوروبي. مختص في الشأن الحقوقي
إنشرها