Author

تقييم الأراضي لغرض الرسوم

|
كثير من المقالات والتقارير الإعلامية التي تحدثت عن رسوم الأراضي البيضاء ركزت على موضوع التقييم ومنهجية إيجاد القيمة لغرض الرسوم، ولا شك أن التقييم يعتبر حجر الزاوية لنجاح نظام رسوم الأراضي البيضاء ولائحته التنفيذية، وفي دراسة أعدت من قبل البنك الدولي، قامت بتحليل النظام الضريبي للعقارات والأراضي في 25 دولة منها دول ناشئة مثل إندونيسيا والفلبين وكينيا، ودول أخرى متقدمة مثل كندا وبريطانيا وأستراليا، توصلت إلى ثلاثة عوامل رئيسة تؤثر في نجاح هذه الأنظمة الضريبية السنوية هي: أولا، التقييم العادل، الذي لا بد أن يبنى على القيمة السوقية وأسعار التداول للعقارات لأن الدول التي طبقت منهجيات أخرى مثل تخصيص معاملات للخدمات والمواصفات يتم على أساسها تقدير القيمة دون الرجوع إلى أسعار السوق فشلت كما في التجربة التونسية، كما أن بعض الدول وحدت أسعار المتر المربع لجميع العقارات وبالتالي كان النظام يفتقد الدقة والعدالة، وغيرها كثير من أساليب التقييم التي اتبعت ولم تؤد الغرض، واضطر أغلب تلك الدول إلى الرجوع إلى الطريقة الأنسب، التي تعتمد على أسعار التداول في السوق، والعامل الثاني، عملية تكرار التقييم بشكل دوري ومتقارب حيث كانت الدول مختلفة في إنجاز التقييم الدوري لعقاراتها فمنها ما يحدث التقييم كل سنة ومنها كل ثلاث سنوات، وأخرى كل عشر سنوات، وكانت النتائج تدل على أنه كلما زادت مدة إعادة التقييم تعثر النظام وأصبح لا قيمة حقيقة له خاصة فيما يتعلق بضريبة الأرض التي قد لا تؤدي الغرض المنوط بها في حال تم التساهل في إعادة تقييمها سنويا، والعامل الثالث، هو إدارة عملية التحصيل وتطبيق نظام صارم يمنع التهرب ويجبر أصحاب الأراضي في الحالة السعودية مثلا على السداد السنوي دون مماطلة أو محاولة لجعل الرسوم تتراكم وتتحول إلى ضريبة تسجيل العقار ليتحملها المشتري. ومن خلال استعراض العوامل التي ذكرتها دراسة البنك الدولي نجد أن التقييم وما يتعلق به قد استحوذ على عاملين من أصل ثلاثة عوامل لا بد من أخذها في الاعتبار عند بناء نظام رسوم الأراضي البيضاء، ومن المهم في هذا الباب التفريق بين القيمة السوقية وما ذكرته في بداية المقال وهي عبارة "القيمة لغرض الرسوم" لأن الغرض من التقييم لا بد أن يحدد كجزء من نطاق عمل المقيم، وذلك وفقا للمعيار 101 من معايير التقييم الدولية IVS، الذي يتعلق بنطاق عمل المقيم وبالذات فقرة (ج)، التي بينت أهمية توضيح الغرض من التقييم ثم عززت هذا المبدأ بالفقرة (هـ)، التي بينت أن أساس القيمة لا بد أن يكون مناسبا لغرض التقييم. لذلك في حالة الرسوم لا نتحدث عن قيمة سوقية وفقا لمعايير التقييم الدولية وإنما ما يعرف بالقيمة لغرض الرسوم، التي يطلق عليها Assessment Value وتستخدمها الدول التي تفرض ضرائب سنوية على العقارات لغرض استيفاء تكاليف الخدمات للمنطقة التي يقع فيها العقار، وهذه القيمة تستند إلى القيمة السوقية من حيث أخذ التداولات الحاصلة في السوق كأساس لها، لكن مع حجم وضخامة العمل تم إيجاد أساليب تقييم تساعد على الإنجاز بشكل أسرع وتعتمد على طريقة التقييم الشامل Mass Appraisal، الذي تستخدم فيه برامج تحليل إحصائي يطلق عليها التقييم الشامل بمساعدة الحاسوب CAMA - Appraisal Computer-Assisted Mass. وتقوم تلك البرامج بتحليل إحصائي للمبيعات في منطقة معينة، وبالتالي يتم إيجاد القيمة المناسبة لكل عقار بناء على بيانات المبيعات والمواصفات الخاصة به، ويؤخذ في الاعتبار جميع العوامل المؤثرة على القيمة، وبالطبع فهذه الطريقة من الممكن أن تساعد في إيجاد قيمة العقارات المخدومة. بينما الأراضي الخام قد تحتاج إلى تقييم منفرد نظرا لكثرة التفاصيل بها واختلاف خصائصها بشكل قد يصعب معه إيجاد قيمتها بالتحليل الإحصائي، وبالتالي استخدام طريقة القيمة المتبقية، التي تأخذ في الاعتبار أعلى وأفضل استخدام للأرض لإيجاد قيمتها كأرض خام، لذا فإن تأسيس قاعدة البيانات قد يحتاج إلى جهد في البداية وبعد ذلك سيكون الأمر مجرد تحديث للبيانات بشكل سنوي لتخرج القيم بشكل سهل وسلس. الخلاصة، من خلال الممارسة العملية للتقييم أجد أن هناك ثلاثة عوامل أساسية لنجاح التقييم لغرض الرسوم، وهي الاستفادة من الخبرات المحلية في السوق العقاري وهم موجودون ويتمتعون بمهنية عالية في مجال العقار بشكل عام والتقييم بشكل خاص، حيث إن العقار سلعة محلية لذلك لن يستطيع تقدير قيمتها إلا أهل ذلك السوق، ثم الاستعانة بقاعدة البيانات كأساس للانطلاق، التي تم بناؤها على مدار سنوات من خلال بيوت الخبرة المحلية، التي يعمل بعضها بشكل احترافي في السوق السعودي منذ أكثر من عشر سنوات، وأخيرا الاستفادة من التجارب العالمية في مجال التقييم الشامل وأحدث التقنيات الحاسوبية التي تساعد على إدارة وإنجاز أعمال التقييم بكفاءة ودقة، وبأخذ هذه الأمور في عين الاعتبار أعتقد أن التقييم سيكون أمرا يسيرا.
إنشرها