Author

الأراضي السكنية تتجه نحو التصحيح

|
بات نظام رسوم الأراضي البيضاء نافذا من خلال اللائحة التنفيذية له، التي أقرها أخيرا مجلس الوزراء، كان المجتمع بأكمله يترقب شكل هذه اللائحة التنفيذية وتفاصيلها، وما إذا كانت صياغتها متحيزة لأصحاب الأراضي، لكنها كانت أقرب لتغليب المصلحة العامة، مع أنها لم تخرج بصيغة مثالية، لكن موادها الحالية من الممكن أن تؤدي الغرض في حال تنفيذها بآلية محكمة ومتابعة دقيقة لسوق العقار السكني ومجرايته، وما يقلق الكثيرين حاليا أن تكون هنالك ثغرات في النظام يستطيع من خلالها البعض أن يتحايل على سداد الرسوم بطريقة أو أخرى، ومع افتراض أن البعض سيخاطر بالتحايل فبالتأكيد لا يمكن أن يتحمل كل ملاك الأراضي هذه المخاطر، وقد ذكرت في مقال سابق أن ما يحرك سوق العقار ويعزز المضاربة واكتناز الأراضي على المديين المتوسط والبعيد هو ما يطلق عليه في اقتصاد العقار "السعر المتوقع" الذي ينطلق من مبدأ أن الانتعاش والارتفاعات المتتالية في الأسعار الحالية ستستمر مع افتراض عدم حصول أي تغيرات مؤثرة في السوق، وهذا بلا شك ينافي وضع السوق الحالي؛ فالتغيرات الاقتصادية الحالية التي من أهمها انخفاض أسعار النفط، والتي تعد الشريان الرئيس لتغذية السوق بالنقد من خلال الإنفاق الحكومي، كذلك العديد من المتغيرات الأخرى التي تتأثر بها، كما أن الأنظمة التي تم إقرارها أو تعمل عليها الحكومة بشكل عام ووزارة الإسكان بشكل خاص، توضح أن التوقعات لإمكانية الاكتناز وارتفاع الأسعار على المديين القريب والمتوسط باتت شبه مستحيلة، إضافة إلى أن السوق كلما اقترب من المرحلة الرابعة لتطبيق اللائحة، وهي فرض الرسوم على الأراضي المطورة العائدة لمالك واحد في مدينة واحدة، ما دام مجموع مساحتها يزيد على عشرة آلاف متر مربع، ستتأكد فكرة أن الأسعار المتوقعة للعقار السكني تتجه للتصحيح لتتناسب مع إمكانات الأغلبية من المواطنين الراغبين في التملك، لذلك إن استطاع البعض التحايل والاحتفاظ بأراضيهم أطول مدة ممكنة، فسيجدون أن السوق قد تجاوزهم، وأن الأسعار قد استقرت عند الحدود المعقولة والمناسبة للمستخدم النهائي، والعارف بديناميكية السوق وتفعالاتها سيعلم أن أي مبيعات تتم في مخطط معين سيتجاوب معها السوق ويعتبرها المقياس الجديد لأسعار التداول للأراضي في ذلك المخطط أو الحي، لذلك ليس هناك حاجة إلى أن يعرض الجميع أراضيهم في مخطط معين بأسعار متناقصة خلال الفترة المقبلة، بل بمجرد عرض أو بيع مجموعة من الأراضي بأسعار متناقصة تدريجيا في ذلك السوق، سيثبت ذلك أن هناك تصحيحا قادما، وبالتالي سيكون السعر المتوقع مستقبلا للأراضي السكنية أقل من سعر اليوم، وهذا وارد بالتأكيد فلا يمكن الجزم بأن جميع ملاك الأراضي لديهم الإمكانية المالية لسداد الرسوم على المدى البعيد، كما أن إمكانية الأفراد أو المؤسسات لتحمل مخاطر توقع نزول الأسعار ليس متساويا، فمنهم من يدير الاستثمارات لمصلحة الآخرين لذا فهو تحت ضغط التخارج بأفضل المكاسب أو كحد أدنى بأقل الخسائر، ومجموعة أخرى لديها التزامات تمويلية لا بد من سدادها في الوقت المحدد والمتفق عليه من جهات التمويل ولن يستطيع هؤلاء الاستمرار بالمماطلة وسداد رسوم الأراضي وكذلك أرباح التمويل، كما أن الجهات التمويلية لن تقف موقف المتفرج وهي ترى توجه السوق نحو التصحيح بل ستضغط على المستثمر للتخارج في أقرب فرصة ممكنة، وهناك قسم آخر يستثمر لحسابه الخاص، وهذا قد تكون الضغوط عليه أقل من النماذج السابقة لكن تبقى رؤية توجه السوق نحو التصحيح وتناقص قيمة أراضيه وضغط تكاليف الرسوم السنوية، وهكذا نجد أنه لا يمكن للقلة المتحايلة أو التي تستطيع أن تتحمل تكاليف الرسوم أن توقف توجه السوق، خاصة مع وضوح ما سيؤول إليه وضع الأراضي من خلال مراحل تطبيق الرسوم الأربعة. تضمنت اللائحة التنفيذية على ستة فصول و18 مادة كانت أبرزها التعاريف التي توضح المصطلحات الواردة في اللائحة، وأعتقد أنها تحتاج إلى مزيد من الإيضاح والبيان وإعطاء أمثلة واقعية لتقريب الصورة لأصحاب الأراضي وغيرهم من المهتمين لكيلا يكون هناك أي لبس حولها، أما المواد من الثالثة إلى الخامسة فكانت عن تقييم الأراضي لغرض الرسوم، ولعل المقام لا يتسع للتفصيل فيها، لكن سأفرد لها مقالا مستقلا بإذن الله للحديث عن كيفية إيجاد القيمة لغرض الرسوم، وما الممارسات العالمية في هذا المجال، أما المادتان السادسة والسابعة فلهما أهمية خاصة في اللائحة لأنهما ستوضحان توجه السوق مستقبلا ومقدار تأثير الرسوم عليه، وتحتاجان إلى تفصيل في طريقة تطبيقهما ووضع جدول زمني يعتمد على مؤشرات واضحة للانتقال من مرحلة إلى أخرى، ولهذا تفاصيل سيتم استعراضها في مقالات قادمة بإذن الله، أما المواد من الثامنة إلى العاشرة التي تتعلق باشتراطات التطبيق وموانعه فتحتاج إلى إيضاح أكثر واستعراض حالات عملية مثل الأراضي المرهونة لدى جهات التمويل كضمان مقابل تسهيلات مالية، أما تحصيل الرسوم فيخضع لنظام إيرادات الدولة ولائحته التنفيذية وهو نظام جيد وحازم ولا يسمح بأي مماطلات، فبعد الإشعار والإنذار للمتأخر بالسداد اللذين يستغرقان 45 يوما يتم إصدار أمر قضائي للحجز على أموال المدين.
إنشرها