Author

الرسوم تفك احتكار 90 % من الأراضي البيضاء داخل المدن

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
اكتمل المشروع التنموي الأول والأهم في البلاد، قبل أمس الإثنين 13 حزيران (يونيو) 2016، المتعلق بإقرار مجلس الوزراء للائحة التنفيذية لنظام الرسوم على الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني للمدن والمحافظات، كان قد سبق هذه الموافقة، صدور موافقة مجلس الوزراء على نظام رسوم الأراضي البيضاء المقرر من مجلس الشورى بتاريخ 23 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015، جاءت النواة الأولى لمشروع النظام من التوصية بإقرار الرسوم على الأراضي البيضاء، المرفوعة من مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية إلى مجلس الوزراء في تاريخ 23 آذار (مارس) 2015، ليستغرق بذلك أقل من 15 شهرا منذ إعلان توصيته المبدئية، حتى إقرار اللائحة التنفيذية للنظام قبل أمس. الخلفية التاريخية للرسوم على الأراضي البيضاء استغرقت الرحلة الزمنية للرسوم على الأراضي حتى رأت النور أخيرا، نحو 17 عاما منذ أن سطر أول مقترح لها المستشار القانوني عبدالرحمن النافع، في خطاب أرسله إلى وزارة المالية مطلع يناير 1999، تضمن مرئيات بفرض رسوم خدمات على أصحاب الأراضي التي يمتلكها أصحابها لغرض التجارة، انتقل به لاحقا لعرضه على عدد من أعضاء مجلس الشورى آنذاك، ليدخل المشروع منذ تاريخها طوال تلك الأعوام الطويلة، رحلة طويلة جدا وسط غابة كثيفة من الإجراءات البيروقراطية، بين الأجهزة الحكومية ذات العلاقة من جهة، ومن جهة أخرى مجلس الشورى، استقر بها المطاف خلال الأعوام الأخيرة في أروقة وزارة الإسكان، ترقبا لإعلانه وصدوره بصورة رسمية، إلا أنه واجه عديدا من العقبات والتأخير. حدث كل ذلك؛ في الوقت ذاته الذي ظلت فيه أزمة الإسكان وتشوهات السوق العقارية، ووتيرة التلاعب بصفقات الأراضي تتسع دوائرها، إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه من تعقيدات ما كان لها أن تتشكل بهذا الحجم الراهن، الذي جعل منها أحد أكبر التحديات التنموية كما نشهده جميعا دون استثناء، وتحولت خلال آخر أربعة أعوام التي سبقت العام الجاري إلى أهم قضية رأي عام محلية، لا ينافسها في هذا الاهتمام سوى القضايا التنموية المتعلقة بالتوظيف ومكافحة البطالة، خاصة بين صفوف الشرائح الفتية من المجتمع، إضافة إلى متابعة أداء تنفيذ مشروعات الدولة في عديد من القطاعات الحيوية كالصحة والتعليم والمواصلات والخدمات البلدية، التي عانت التعثر والتأخير. الآثار الأولية لتطبيق الرسوم على الأراضي البيضاء يظهر من الوهلة الأولى لإعلان الموافقة على بدء تطبيق الرسوم على الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني للمدن والمحافظات والمراكز، التي ستليها فترة لن تتجاوز العام، تؤكد التطورات المتسارعة التي تمر بها السوق العقارية في الوقت الراهن؛ أن وتيرتها ستأتي أسرع بكثير مما كان متوقعا، وأن جانب عروض بيع الأراضي سيشهد اتساعا كبيرا خلال الفترة المقبلة، وهو الأمر الإيجابي الذي يتوافق تماما مع الهدف الرئيس لإقرار نظام الرسوم على الأراضي البيضاء، الذي تركز على تفكيك دائرة الاحتكار المسيطرة عليها بمساحات شاسعة جدا، مقابل تداول ما لا يتجاوز 10.0 في المائة من مساحاتها بيعا وشراء على مستوى كامل السوق العقارية، وأن تلك الرسوم تمثل في الوقت الراهن أمام التشوهات الجاثمة على السوق، الأداة الأكثر فاعلية لتحرير بقية الأراضي المكتنزة لدى ملاكها دون التفكير من قبلهم في تطويرها أو الانتفاع بها، وهذا بدوره سيقود السوق العقارية إلى تحقيق التوازن المفقود تماما بين قوى العرض والطلب، الذي سيؤدي لاحقا إلى توازن الأسعار المتضخمة في الوقت الراهن، ويعيدها إلى مستويات أكثر عدالة مما هي عليه الآن، تستقر في مستويات أدنى بكثير من مستوياتها الراهنة المتضخمة سعريا، وتعكس فعليا تعادل قوى الشراء بناء على مستوى دخل الأفراد وقدرتهم على الاقتراض من جانب، ومن جانب آخر وفرة العروض من الأراضي المطورة الصالحة للبناء والتشييد والاستخدام السكني. #2# وفقا لما تقدم؛ يتوقع تحت ظل هذه التطورات الحديثة، أن تتزايد بصورة أكبر العروض العقارية من قطع الأراضي السكنية بالدرجة الأولى، وبقية أنواع المنتجات العقارية الأخرى من بيوت وشقق وعمائر وفلل سكنية، وتزامن تلك الزيادة المتسارعة في العروض العقارية مع تراجع متوسطات أسعارها السوقية. ولمعرفة وتقدير نسب تراجع الأسعار السوقية، يظل مهما جدا التعرف على أن كميات ومساحات الأراضي خارج منصة التداول بيعا وشراء، تفوق في حجمها (تسعة أضعاف) حجم المتداول منها في الوقت الراهن! وهي الحقيقة الرقمية المثبتة رسميا والمستخلصة من بيانات كل من وزارة العدل وأمانات المدن الرئيسة. إن مما لا شك فيه تحت هذه الحقائق الرسمية حول تفاصيل السوق العقارية، يمكن القول إن مجرد تضاعف حجم المعروض من الأراضي السكنية مرة أو مرتين خلال عام قادم، من شأنه أن ينعكس على مستويات الأسعار المتضخمة بالانخفاض بما لا يقل عن 50 في المائة على أقل تقدير، وقد تتجاوز نسب الانخفاض في الأسعار تلك النسبة بحسب المواقع التي شهدت مضاربات سعرية حادة على الأراضي فيها، وفي ظل ثبات بقية العوامل الأخرى كتحديد نسبة الحد الأقصى للتمويل العقاري عندما لا يتجاوز 70 في المائة إجمالي القيمة السوقية للأصل العقاري، إضافة إلى بدء المصارف المحلية في رفع سعر فائدة الإقراض فيما بينها، الذي يقف في الوقت الراهن عند أعلى مستوى له منذ عام 2009، وقيام الميزانية العامة بتمويل أي عجز فيها عن طريق إصدار سندات التنمية (دون الحاجة للسحب من الاحتياطي العام، وهو القرار الاقتصادي الأنسب في الوقت الراهن)، وأخيرا ارتفاع وعي الأفراد تجاه كل تلك التطورات، واقتناعهم بأنها ستؤدي فعليا إلى مزيد من انخفاض الأسعار. تؤكد خلاصة ما تقدم ذكره هنا أن صخرة الأسعار المتضخمة في الوقت الراهن، قد بدأت فعليا في التصدع كما أظهرته البيانات الفعلية لوزارة العدل، وأنها في طريقها إلى مزيد من التصدع والتفكك والتراجع السعري، الذي يتوافق تماما مع أهداف صانع القرار بإقرار نظام الرسوم على الأراضي البيضاء، وهو ما يجب على الأفراد الباحثين عن شراء وتملك مساكنهم الاستفادة القصوى منه بمشيئة الله تعالى. الآثار الإيجابية اقتصاديا للرسوم على الأراضي لن يقف أثر الرسوم على الأراضي البيضاء عند مجرد خفض أسعار الأراضي، وتحريرها من سيطرة الاحتكار، والمساهمة في توازن كل من العرض والطلب بأسعار عادلة ومقبولة، بل تتجاوزها لتسهم في خروج الاقتصاد والمجتمع من ضغوط الأزمة العقارية والإسكانية، انتقالا إلى منطقة أكثر استقرارا وبعدا عن تلك الضغوط التضخمية، وعن آثارها السلبية الجسيمة. يجري التركيز هنا على أهم آثارها الإيجابية على أداء الاقتصاد الوطني ومستوى معيشة أفراد المجتمع، بما يؤكد لصانع القرار الأهمية القصوى لإقرار الرسوم على الأراضي بصورة شاملة وحازمة، ودون أي استثناءات مهما كانت مبرراتها. سبق أن استعرضت في أكثر من مقال جذور هذه الأزمة التنموية، والآثار السلبية التي ترتبت عليها، وكان من أهمها وأكثرها ضررا هو التسبب في ارتفاع تكلفة المعيشة على الأفراد من جانب، ومن جانب آخر التسبب أيضا في ارتفاع تكلفة الإنتاج والتشغيل على القطاع الخاص، وانخفاض درجة تنافسية منشآته في الأسواق الخارجية، عدا امتداد تلك الآثار للحد من قدرة منشآت القطاع الخاص على التوسع، والنجاح في زيادة إسهاماته في القيمة المضافة للاقتصاد (النمو الاقتصادي)، إضافة إلى تقلص قدرته على إيجاد فرص العمل المجدية أمام عشرات الآلاف من الشباب والشابات من المواطنين الباحثين عنها، وتمخض كل تلك المعوقات والتحديات في مجملها عن خفض مستويات التنمية المستدامة لأفراد المجتمع، وزيادة تباين الدخل بين شرائحه الاجتماعية (قلة تتمتع بثراء عال جدا، مقابل أكثرية تعاني محدودية الدخل)، إضافة إلى إضعاف قدرة الاقتصاد الوطني على مستوى تنوع قاعدته الإنتاجية، وإبقائه مستسلما لتقلبات أسعار النفط في الأسواق العالمية (نسبة التنوع الإنتاجي أدنى من 12 في المائة)، عدا ضعف قدرة الاقتصاد على إيجاد الوظائف المناسبة، وما يترتب عليه من زيادة معدلات البطالة، وكل هذا في مجمله يضاعف من حجم الأعباء والضغوط على الميزانية العامة للدولة، التي سيزداد نتيجة لما تقدم من تطورات بالغة التعقيد الاعتماد على الإنفاق الحكومي بصورة أكبر لأجل دعم الاقتصاد، عوضا عما لو أن السياسات الاقتصادية المختلفة نجحت في المضي قدما بالقاعدة الإنتاجية نحو تنوع أكبر، لتقوم هي بدور دعم الأداء الاقتصادي، وهو على العكس تماما مما يجري على أرض الواقع في الوقت الراهن! تحول الثروات من الاكتناز والمضاربة إلى الاستثمار والإنتاج يتوقع مع بدء فرض الرسوم على الأراضي أن تختلف كثيرا تحركات السيولة المحلية، وباشتراط أن يتم مقابلتها بكثير من المحفزات وخفض الإجراءات البيروقراطية، أن تبدأ تلك الثروات الهائلة جدا بالدخول في تأسيس الكثير من المشروعات الإنتاجية والخدماتية العملاقة والمتوسطة الحجم، وهذا هو البديل الاقتصادي الذي تسبب فقدانه أو ضعف وجوده طوال العقود الماضية، في زيادة تركز الثروات والأموال الوطنية على أسواق ضيقة كسوق الأسهم أو المتاجرة في الأراضي، دون أي انعكاسات إيجابية لتدوير تلك الأموال الهائلة الحجم على القيمة المضافة للاقتصاد (النمو الاقتصادي). #3# إن الاقتصاد الوطني وهو يستقبل تلك الثروات الهائلة الخارجة من مخزنات قيمتها الراهنة المتمثلة في مجرد أراض بيضاء، ودخولها في الكثير من قنوات تمويل وتأسيس مئات أو آلاف المشروعات في القطاع الخاص، والعمل وفق السياسات الاقتصادية المختلفة على زيادة توجيهها نحو نشاط الخدمات (يشمل: تجارة الجملة والمطاعم والفنادق، والنقل والاتصالات والتخزين، وخدمات المال والتأمين والعقارات وخدمات الأعمال، وخدمات جماعية وشخصية، ومنتجي الخدمات الحكومية)، بما يسهم في زيادة مساهمته في إجمالي الناتج المحلي (بلغت مساهمته 41.4 في المائة من الإجمالي بنهاية 2014)، كونه النشاط الأكثر قدرة مقارنة بنشاطي الصناعة والزراعة على إيجاد المزيد من الوظائف وفرص العمل (يستأثر نشاط الخدمات بنحو 87.0 في من المائة إجمالي العمالة الوطنية في سوق العمل)، وبنمو وتوسع هذا النشاط سيتحقق للاقتصاد الوطني درجة التقدم المأمولة على طريق زيادة تنويع قاعدته الإنتاجية، وفي الوقت ذاته زيادة أكبر لقدرة الاقتصاد الوطني على إيجاد الوظائف الكافية لامتصاص مخرجات التعليم العالي والفني وجزء من مخرجات التعليم العام (يبلغ المتوسط السنوي لطالبي العمل خلال الفترة 2015-2020 أكثر من 400 ألف طالب وطالبة عمل). #4# ارتفاع تنافسية الاقتصاد وكبح التضخم ومع الانخفاض المرتقب في تكاليف الإنتاج والتشغيل، واستفادة القطاع الخاص تحديدا من تراجع تكلفة الإيجارات وأثمان الأراضي والعقارات، ستصبح مسألة التوسع في النشاط الإنتاجي والخدماتي متاحة بصورة أكبر وأقل تكلفة، كل هذه التطورات وغيرها مما لا يتسع المجال لذكره هنا؛ سيسهم مستقبلا في التقدم بالاقتصاد الوطني نحو درجة أعلى من الاستقلالية عن الآثار السلبية لتقلبات أسعار النفط، والاقتراب بدرجة أكبر من عكس العلاقة الراهنة بين الميزانية العامة والاقتصاد الوطني، ليزداد اعتماد الميزانية العامة للدولة على أداء القطاع الخاص، من خلال زيادة الإيرادات غير النفطية للميزانية الحكومية (دخل الاستثمار، الرسوم المختلفة، ضرائب على الاستثمار الأجنبي) التي لا تتجاوز في الوقت الراهن سقف 10.0 في المائة، وهذا هدف يمكن الوصول إلى درجة مقبولة بنهاية مسار زمني طويل الأجل بكل تأكيد، إلا أن خطوة البداية الفعلية لا يمكن أن تتحقق دون اتخاذ قرارات وإجراءات وتغييرات عميقة جدا وجريئة على السياسات الاقتصادية المعمول بها الآن! ومنها بكل تأكيد قرار الرسوم على الأراضي البيضاء داخل المدن والمحافظات والمراكز (التي تشكل ما بين 55.0 إلى 60.0 في المائة من إجمالي مساحة النطاق العمراني للمدن الرئيسة في البلاد). #5# إن التحولات والتطورات المرتقبة بعد بدء تطبيق الرسوم على الأراضي، وفتح وتسهيل إجراءات بيئة الاستثمار المحلية في المقابل، وتحفيز الثروات والسيولة المحلية للدخول في تأسيس وتوسعة مشروعات القطاع الخاص، من شأنها أن تتسبب في تحقيق أكثر من هدف اقتصادي وتنموي في الوقت ذاته، وما تقدم ذكره باختصار شديد من حول بعض الآثار المتوقعة والإيجابية، ليس إلا على سبيل المثال لا الحصر! كما أن السياسات والبرامج والخطط التنموية والاقتصادية لا يمكن أن تتسم بالفعالية والجدية دون امتلاكها لأدوات قوية وحازمة، وهو ما غاب كثيرا عن السياسات الاقتصادية طوال الـ 45 عاما الماضية من عمر خطط التنمية، وتسبب أيضا في تأخر تحقق الكثير من الأهداف التنموية للاقتصاد الوطني، أبقته تحت سيطرة الاعتماد على دخل النفط، وحدت من قدرته على الاستقلالية وزيادة تنوع قاعدته الإنتاجية! وإنني أنظر في نهاية هذا الطريق المأمول نجاحه وتحققه في المستقبل، إلى أن الجميع لن يعبأ بعد كسب هذه الثمار إلى أسعار النفط، سواء ارتفعت إلى أعلى من 100 دولار أو انخفضت إلى 10 دولارات. هل يهدد تراجع أسعار الأراضي الاستقرار الاقتصادي؟ تأكد لدينا بما توافر من بيانات وإحصاءات رسمية زيف ادعاء كل من حاول الترويج لهذا الجانب، والقول بأن انهيار أسعار الأراضي والعقارات سيزعزع الاستقرار الاقتصادي، بل لقد أثبتت البيانات الرسمية عكس كل ذلك جملة وتفصيلا، وأن التضخم الكبير الذي شهدته أسعار الأصول العقارية باختلاف أنواعها، كان نتيجة تشوهات هيكلية في الاقتصاد لا نتيجة علامات تعافي! وتحديدا للأسباب التالية: 1) ضيق قنوات الاستثمار المحلية التي قابلتها وفورات هائلة للسيولة المحلية الباحثة عن فرص استثمارية مجدية، إلا أنها لم تجدها. 2) تفاقم أشكال الاحتكار في السوق العقارية، واستحواذ قلة من السكان على مساحات شاسعة من الأراضي البيضاء، تجاوزت مساحاتها من إجمالي مساحات المدن الرئيسة سقف الـ 50 في المائة. 3) تزاحم عشرات المليارات من الريالات كمضاربة على ما لا يتجاوز الـ 10 في المائة من تلك الأراضي الجرداء (نحو 5.1 في المائة من إجمالي مساحة المدن)، ودخولها في عمليات تدوير للأموال بصورة فاقت الوصف خلال الأعوام الأخيرة، وصلت قيمة الصفقات المدارة على الأراضي فقط خلال آخر ستة أعوام ونصف العام 2010-2016 إلى نحو 1.9 تريليون ريال! أي ما نسبته 92.0 في المائة من إجمالي صفقات السوق العقارية بأكملها البالغ إجمالي قيمة صفقاتها لنفس الفترة نحو 2.0 تريليون ريال. ليستوعب القارئ خلاصة ما تقدم؛ تحولت السوق العقارية لدينا بتعريفها المعروف إلى سوق أخرى، يمكن وصفها عن ثقة بلغة الأرقام أنها مجرد سوق للمضاربة بالأراضي فقط، أي أنها سوق منفصلة تماما عن أداء الاقتصاد الوطني وكل ما يمت له بصلة، لا يتجاوز ارتباطها بالاقتصاد الوطني إلا رابطان اثنان لا ثالث لهما؛ الرابط الأول: اجتذاب السيولة النقدية للاقتصاد الوطني، وتوظيفها في عمليات تدوير هائلة على الأراضي بمختلف أنواعها. الرابط الثاني: أوجدت رابطا آخر نقلت من خلاله التضخم الهائل فيها إلى مختلف نشاطات الاقتصاد الوطني. #6# الرابط الأول: امتصاص سيولة الاقتصاد الوطني اجتذبت المضاربات وتدوير الأموال والثروات على الأراضي فقط أغلب السيولة النقدية للاقتصاد الوطني، وقام أقطابها بتوظيفها في عمليات تدوير هائلة على الأراضي بمختلف أنواعها حسبما أظهرته الإحصاءات الرسمية، أنها أموال ضخمة تتصارع على عشر الأراضي فقط، كون التسعة أعشار الباقية قد أقفل عليها احتكارا واكتنازا، ولهذا نتج عن تصارع أموال هائلة على مساحات قليلة جدا من الأراضي المتاحة للتداول هذا التضخم الذي شهدناه جميعا طوال الفترة 2006-2015 وما زال، وكان طبيعيا جدا أن تستفيد أثمان الأراضي المحتكرة غير القابلة للتداول من هذا التضخم، وهو ما زاد من تمسك ملاك تلك الأراضي المحتكرة بها، وعدم التفكير مطلقا في بيعها أو حتى تطويرها، وما الذي يدعوه لذلك وقيمتها السوقية تتنامى في يديه دون أن يحرك ساكنا. #7# مع زيادة ارتفاع أسعار تلك الأراضي، زاد أيضا اجتذاب المزيد من سيولة الاقتصاد إليها، في الوقت الذي كلما اتجه ريال واحد إلى تلك المعمعة من المضاربات على الأراضي، حرم الاقتصاد الوطني من توظيف ذلك الريال في الإنتاج والتشغيل، وإيجاد الوظائف لمئات الآلاف الباحثين عنها، وكل هذا بدوره انعكس سلبا على النمو الاقتصادي دون أدنى شك، وسيتضح لاحقا في تفاصيل الرابط الثاني؛ أن الضرر لم يتوقف عند هذا الحد بل تعداه إلى ما هو أشد ضررا. الجيد هنا إن كان هناك أمر يستحق الإشادة؛ أن أغلب تلك الأموال الهائلة إن لم يكن كلها، تم تمويلها من مدخرات وثروات متراكمة لدى أصحابها، ولم تتورط التسهيلات الائتمانية البنكية في تمويلها، وهذا جانب بالغ الأهمية يحمي القطاع المالي حتى تاريخه من أي انهيارات سعرية لتلك الأراضي البيضاء المتضخمة سعريا. الرابط الثاني: إعادة التضخم إلى الاقتصاد الوطني لم تكتف هذه السوق المنفصلة عن الاقتصاد الوطني باجتذاب سيولته وحرمانه منها، بل أوجدت رابطا آخر نقلت من خلاله التضخم الهائل فيها إلى داخل الاقتصاد، انعكس على الارتفاع المستمر لأثمان العقارات أولا، وثانيا انتقل إلى الرفع المستمر لتكلفة الإيجارات (السكني، التجاري)، لترتفع من ثم تكلفة التشغيل والإنتاج، ولترتفع بصورة أقسى منها تكلفة المعيشة على المواطنين والمقيمين على حد سواء، ولا تزال آثار كل ذلك نافذة حتى تاريخه! وما زاد من مضاعفة تلك الآثار، أن المصادر الرئيسة للتضخم لم يتم التعامل معها بما يجب من قرارات وإجراءات رادعة، لتذهب إلى الاتجاه الآخر الذي دفع بالأسعار إلى مزيد من الارتفاع؛ عبر زيادات متتالية للأجور (رغم أنها كانت ستكون محمودة لو تمت تحت ظروف مختلفة عما هو أمامنا الآن)، وزيادة في حجم قروض صندوق التنمية العقارية للإسكان، ومن حسن الحظ أن قامت مؤسسة النقد بتطبيق أنظمة التمويل الأخيرة، وإلا لكنا شهدنا نمطا أصعب مما هو قائم الآن، ومن المؤسف أن وزارة الإسكان والصندوق العقاري يحاولان في الفترة الراهنة القفز على هذا الإجراء الإيجابي من مؤسسة النقد. #8# إعادة السوق العقارية لخدمة الاقتصاد الوطني إذن نحن أمام رابطين سلبيين بين السوق العقارية (الأراضي تحديدا) والاقتصاد الوطني، يجب العمل فورا على إلغائهما التام، واستكمال الجهود نحو دمج هذه السوق المتمردة في جسد الاقتصاد الوطني، فتكون جزءا رئيسا من دينامية نموه واستقراره، لا كما هو عليه الحال الآن! وهو عمل مختلف تماما عما يتم الآن من خلال ما تقوم به وزارة الإسكان. بناء عليه، ووفقا للصورة الراهنة الآن الأكثر وضوحا، كلما تهاوت الأسعار الهائلة التي وصلت إليها الأراضي تحديدا (كونها مصدر الشرارة الأولى للتضخم وتضخم ما تلاها)، كلما أدى ذلك إلى قطع شريان الرابط الأول الذي اجتذب بجنونه أغلب الثروات والسيولة المحلية، وبمجرد بتره لا شك أن الرابط الآخر سيلحق به، فكيف لنا أن نغلق أبواب سعير الأسعار في هذه السوق المستقلة عن الاقتصاد الوطني؟ إلا بإقرار رسوم الأراضي على تلك المساحات الشاسعة منها، وهي المطرقة الوحيدة التي ستدفع بعكس اتجاه السيولة الخاطئ كما هو عليه الوضع الآن، لتتحول في اتجاه عكسي نحو الاقتصاد الوطني هربا من تهاوي قيمتها وخسارتها، لتستقر داخل الاقتصاد الوطني تشغيلا وإنتاجا ونموا واستقرارا، وأهمية تحقق كل ذلك قبل أن يتورط القطاع المالي في تمويله لذلك السعير من الأسعار، وهو الذي إن حدث فلا شك أن العواقب ستكون وخيمة جدا، ولا يمكن تخيل حجم آثارها المدمرة - لا قدر الله - بأرقام اليوم ولا حتى غدا. الخيارات الأفضل أمام أفراد المجتمع تقوم الخيارات الأفضل بالنسبة للأفراد أمام التطورات القادمة على السوق العقارية، التي سيكون عنوانها الرئيس انكماش الأسعار المتضخمة، وعودتها إلى الانخفاض بعد عقد بالغ الصعوبة من الارتفاع الشاهق في مستويات الأسعار السوقية للأراضي والعقارات والإيجارات، نتيجة لما تم إيضاحه من سيناريوهات أعلاه، العامل الرئيس فيها التوسع في الاعتماد على فرض الرسوم على محتكري الأراضي، وفك اليد الاحتكارية التي كبلتها ومنعتها عن الانتفاع والاستخدام، التي بدورها ستحد كثيرا من تدفق الأموال والثروات على ما كان متاحا محدودا منها بهدف المضاربة والبحث عن تحقيق مكاسب مرتفعة. تؤكد الرؤية المتسمة بالتخطيط المالي السديد؛ أن عدم التسرع في الشراء خلال الفترة القادمة، التي ستتسم بارتفاع عروض البيع بدرجة أكبر مما سبق، لا شك أنها ستنتهي إلى تحقيق مزيد من التوازن بين العرض والطلب، الذي كان مفقودا بدرجة كبيرة، ومختلا بصورة أفضت إلى ما نواجه اليوم من أزمة إسكانية بالغة التعقيد، يمكن أن تصل بتصحيح مستويات الأسعار المتضخمة للأراضي خلال أول عام لنسب تراوح بين 30 في المائة و50 في المائة، ومع استمرار تطبيق الرسوم في المراحل التالية لها، وزيادة شمولها لمدن ومحافظات أخرى، سترتفع نسب الانخفاض بمشيئة الله إلى أعلى من 75 في المائة مقارنة بذروتها السعرية الأعلى التي وصلت إليها في منتصف 2014. إن الحلول العملية الجادة، في مقدمتها بدء الفرض الفعلي للرسوم على الأراضي البيضاء، واتساع تطبيقها عبر المراحل القادمة التي ستشمل عبر الزمن أغلب المدن والمحافظات، والمساحات الخالية من الأراضي داخلها بدءا من مساحات 5000 متر مربع، كفيلة هي وبقية الحلول الأخرى بتمهيد الوعورة التي تقف عليها أزمة الإسكان المحلية، إلا أنه من الأهمية أن يتحلى الفرد - كونه المستهدف الأول منها - بالصبر والترقب والحرص، وكونه المستفيد الأكبر من زوال تلك المعوقات، وانخفاض الأسعار المتضخمة للأراضي والعقارات على حد سواء، التي لا شك أنه سيجني فوائدها مع الوقت الذي ستستغرقه تلك الإصلاحات والمعالجات للسوق العقارية. كل هذا يتطلب منه أخذ الحيطة والحذر من التورط في تحمل أعباء قروض عقارية هائلة مع بداية ازدياد عروض البيع، أو ما يمكن تسميته ببدء الهروب الكبير لتجار الأراضي والمضاربين والسماسرة من ورطة السوق المتضخمة، فما سيجده اليوم معروضا للبيع بثمن قد يكون أدنى مما كان عليه إلى وقت قريب، سيجده لاحقا وخلال فترة زمنية لن تكون طويلة أدنى سعريا بنسبة أكبر مما هي عليه اليوم، ما يعني إمكانية شرائه لهذا الأصل أو المنتج العقاري أو حتى الأرض بسعر أقل لا يثقل كاهله ماديا، وحتى إذا اضطر إلى التمويل العقاري فلن يكون ذلك المرهق جدا كما هو عليه الحال في الفترة الراهنة. ختاما؛ يجب على الفرد الباحث عن تملك أرضه أو مسكنه، التوظيف الكامل والأمثل لهذه القرارات والتطورات الإيجابية لصالحه، وأن يحذر تمام الحذر من أن يتحول دون إدراك منه ودراسة وتقص إلى (طوق نجاة) لغيره من الهاربين من ورطة الأسعار المتضخمة في السوق، فيكون هو الضحية التي تتكبد تكلفة شراء منتج عقاري أو أرض بسعر متضخم، لن يطول الوقت كثيرا لتجده بنصف سعره أو أقل من ذلك بكثير بعد فترة زمنية قد لا تتعدى العام من تاريخه!
إنشرها