Author

مساء وتعليم وسعودة

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا
يعاني مدرسون كثيرون مشكلة نوم أو نعاس كثير من الطلاب في الفصول. كما يشتكي المجتمع من تأخر كثير من الموظفين، وخاصة الحكوميين، عن أعمالهم صباحا، أو تركهم العمل مبكرا. ومن أهم الأسباب السهر الذي أصبح كالعادة في مجتمعنا. هنا قد يطرح البعض حل تأخير الدراسة أو الأعمال ساعتين أو ثلاثا أو إلى ما بعد الظهر. (شهر رمضان المبارك غير مقصود هنا). لكنه حل مرفوض، حيث جعل الليل للنوم والنهار للدراسة والمعاش. قال عز وجل: "هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه، والنهار مبصرا" سورة يونس الآية 67. وقال "وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا"، سورة النبأ الآيتان 10 و11. وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يؤخر صلاة العشاء وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها. أما عقلا أو علميا فهناك كم هائل من الدراسات التي تثبت أن النوم ليلا خير من النوم نهارا، وخاصة للأطفال والمراهقين. خذ على سبيل المثال دراسة مركز اضطرابات النوم في جامعة كاليفورنيا/ لوس أنجلوس عن النوم والمراهقة: http://sleepcenter.ucla.edu/body.cfm?id=63 وهناك كم من الدراسات التي تشير إلى أن الطلبة الذين لا يحصلون على نوم كاف أثناء الليل يكون أداؤهم الأكاديمي أقل من الطلبة الذين ينامون لساعات كافية. وتشير دراسات إلى أن السهر يزيد من احتمالية الإصابة بأمراض القلب والسكتة. انظر مثلا: http://www.bbc.co.uk/arabic/scienceandtech/2013/07/130703_sleep_night_heart.shtml وذكرت صحيفة "الاقتصادية" في عدد 17 أبريل من هذا العام أن محافظ "تقويم التعليم" مصدوم من مستوى الطلاب في الرياضيات والعلوم. ولا أشك أن السهر أحد الأسباب. ماذا يعني ذلك بالنسبة لـ "رؤية 2030"؟ ضعف حصيلة التعليم ينتج ضعف قدرات ومهارات، وضعفهما يضعف الاقتصاد، وتحديدا الإنتاجية. إن ضعف الإنتاجية يهدم أساسا من أسس نجاح الرؤية. ودرءا لسوء فهم البعض، ليس السهر هو السبب الوحيد في ضعف التعليم والاستيعاب أو الإصابة بأمراض القلب. كيف نشأت المشكلة؟ قبل أكثر من نصف قرن، كانت المدن صغيرة، فالرياض لا تتجاوز طولا أو عرضا بضعة كيلومترات. وكان أجدادنا وآباؤنا يعتمدون غالبا على أنفسهم في أداء الأعمال، التي كانت تنتهي مع غروب الشمس، وكان الناس يتناولون عشاءهم قبل صلاة العشاء، وأحيانا قبل المغرب، وتجدهم يأوون إلى فرشهم مبكرين. ثم فتحت الدنيا على الناس، قبل عقود، جراء ارتفاع إيرادات النفط، الذي أفاء الله به، وليس جراء طفرة في العمل والجهد والانضباط. وكان من نتائج تدفق المال مع مرور السنين توسع المدن والأعمال، وفتح باب الاستقدام، تحت بنود تعاقد وظروف عمل لا تصلح لغالبية السعوديين. تلك الظروف أسهم نظام الإقامة والاستقدام في صنعها، التي بدورها أسهمت في كثرة المحال والتوسع في الاستقدام. مع حصول كل ما سبق، وإغلاق الأسواق وقتي صلاتي المغرب والعشاء وكون الوقت الفاصل بينهما قصيرا، أمسى تسوق وعمل المحال يعتمد كثيرا على الفترة بعد العشاء. وأمست مناسبات الناس عادة بعد العشاء. من ثم أمسى مع مرور السنين جزءا من حياة الناس، حتى أصبح يرى حسنا ما ليس بالحسن. وشجع على ذلك كون الدوام الحكومي لا هو بالدوام الكامل، ولا هو بالجزئي. وهكذا تعود الناس على قضاء جزء كبير من مصالحهم ليلا. خلاف قصر الوقت بين صلاتي المغرب والعشاء، ساعد أيضا على حصول ما سبق حر الصيف الطويل. والشوارع لم تصمم أو تنفذ بما يحفز على المشي، فلا أرصفة صالحة للمشاة في أغلب الشوارع، فضلا عن كونها مجهزة بمظلات واقية من الشمس. التعود على العمل والتسوق في وقت متأخر من النهار إلى جزء متأخر من الليل، عود الناس على السهر طيلة أيام الأسبوع. ثم ماذا؟ أصبحنا نضحك على أنفسنا بمحاولة الجمع بين متعارضين: سهر وموعد دراسة وعمل مبكرين، وأنى يجتمع الاثنان! استمرار هذا الوضع كفيل بإضعاف نجاحنا في تحقيق "رؤية 2030". ما الحل؟ في نظري هناك عاملان سيسهمان في التغيير: توفير أرصفة صالحة للمشي ومظللة في كل الشوارع التي عرضها 15 مترا فصاعدا، وزيادة الوقت الفاصل بين صلاتي المغرب والعشاء، وهو موضع اهتمام المقال. نعرف أن الفرق بين أذاني المغرب والعشاء يزاد في رمضان بنصف ساعة، والأسباب معروفة. من الممكن أن يطبق الأمر نفسه على بقية الشهور، مع زيادة الفرق من نصف ساعة إلى ساعة أو ساعة ونصف الساعة. وهذا يعني أن المحال لا تلزم بالإغلاق مع الأذان بدخول وقت صلاة العشاء، بل بإمكانها الاستمرار في العمل لمدة ساعة إلى ساعة ونصف الساعة، ثم تقام الصلاة بعد ذلك. وتمنع المحال (إلا ما يستثنى) من العمل بعد صلاة العشاء أو بعد العاشرة ليلا، أيهما يحل قبلا. ويسهم في نجاح هذا المقترح تحديد فترة التوقف لأداء صلاة المغرب، لتكون دقائق معلومة بالضبط، بدلا من تركها للاجتهاد. ويتبع ذلك إلزام أئمة المساجد بإقامة صلاة المغرب بعد الأذان بوقت محدد كثماني دقائق مثلا.
إنشرها