Author

ما السعر العادل للعقار؟

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
إجابة السؤال التي تصارعت عند جداره الآراء والطروحات، واختلفت اختلافا مبينا على جوهر أصل أسعار الأراضي في الوقت الراهن بالتحديد، وبقية أنواع العقار الأخرى على وجه العموم، قد تبين منشأه وأساس بنائه المختل، وأن دعائمه قد بنيت في أغلبها إن لم تكن كلها على أرض موغلة إلى أبعد الحدود في وحل من التشوهات الاقتصادية الواسعة النطاق، والتشوهات الكامنة بصورة أخطر في السوق العقارية المحلية، بل إن حتى مصطلح "السوق العقارية" تبين أن لا مقام له أو أساس فيما يختص بحالة السوق لدينا، كون أغلب الصفقات والسيولة المدارة عليها في السوق المحلية، تركز بأكثر من 94 في المائة على بيع وشراء الأراضي فقط، بما يؤهلها لأن تتصف بمصطلح "سوق الأراضي" لا "السوق العقارية". ولهذا فإن حتى مقارنة "سوق الأراضي" كما هي الحال لدينا، بغيرها من الأسواق العقارية في أي اقتصاد آخر، مقارنة لا قوام لها من الأصل! شتان المقارنة بينها وهي التي تستأثر فيها صفقات الأراضي الجرداء دون أي تطوير لها، أو وجود منتجات عقارية على سطحها بأكثر من 94 في المائة من السيولة المدارة فيها، وبين بقية الأسواق العقارية في البلدان الأخرى إقليميا أو دوليا، التي تستقطع تقريبا النسبة نفسها، لكنها تتركز على منتجات عقارية مختلفة ومتنوعة. لو أن حال سوقنا المحلية "سوق الأراضي" تماثل أو تشابه بقية الأسواق العقارية المتعارف عليها، لكان هناك نوع من التفهم لرأي من يدافع عن الأسعار المتضخمة الراهنة في سوقنا المحلية، وكان ممكنا الوصول إلى حلول وسيطة، يمكن من خلالها عبور محيط أزمة الإسكان الراهنة دون ضرر أو ضرار على أحد، غير أن حقائق السوق تختلف تماما عما تروج له الأطراف المحتكرة أو المضاربة في "سوق الأراضي"، ولعل مما يجب ذكره هنا؛ أن حتى المطورين العقاريين المجدي وجودهم في السوق المحلية، كانوا من أكثر المتضررين أسوة بغيرهم من أفراد المجتمع، فبضاعتهم تعرضت للبوار والكساد طوال الأعوام الثلاثة الماضية، على عكس تجار الأراضي والمضاربين فيها، ففي الوقت الذي وصل تدوير الأموال على الأراضي فقط إلى أكثر من تريليون ريال خلال أقل من ثلاثة أعوام مضت، تم خلالها بيع وشراء بعض الأراضي أكثر من مرة كتدوير لها، تجد في المقابل أكثر من 1.3 مليون وحدة سكنية قد أصابها الركود في المقتل! أفضى هذا التدوير الهائل للسيولة المتوافرة في السوق المحلية طوال الأعوام الماضية، إلى تضخم الأسعار، وانتقال آثاره السلبية إلى تكلفة إنشاء وتطوير المنتجات العقارية باختلاف أنواعها، والأعجب من كل ما تقدم؛ أن هذه التريليونات من الأموال المدارة على الأراضي الجرداء، تركز فقط على أقل من 10 في المائة من إجمالي مساحات الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني للمدن والمحافظات! بمعنى أن نحو 90 في المائة من الأراضي البيضاء تلك، ظلت ممنوعة من التصرف بيعا أو شراء أو تطويرا أو استخداما، لتبقى أسيرة للاحتكار، في الوقت ذاته تتنامى قيمتها السوقية بصورة فاقت الوصف، حتى أصبح تقييمها السوقي في الوقت الراهن يفوق بقيمته أربعة أضعاف حجم الاقتصاد الوطني! ويدركك العجب إذا علمت أن تلك الأراضي المحتكرة بمساحات شاسعة وفقا للبيانات الرسمية، تستحوذ على أعلى من 50 في المائة من مساحات المدن والمحافظات الموجودة فيها. إذا؛ هو خطأ كبير جدا وفادح إلى أبعد الحدود، أن يتورط أي طرف من الأطراف ذات العلاقة بالسوق المحلية في الدفاع عن أسعار تلك الأراضي، بعد أن تأكد للجميع الأسباب أو الاختلالات والتشوهات التي أفضت إلى تضخم أسعارها السوقية، وبعد أن تأكدت الآثار السلبية التي أدت إليها تلك الفقاعات السعرية في أثمان الأراضي، وأن لإصلاح ومعالجة هذه التطورات السلبية وجهة نظر جديرة كل الجدارة بالاهتمام والجدية، وأنها تحظى بالقبول التام لما في نتائجها من نفع وفائدة على المستويات التنموية كافة، وإن جاءت على حساب قلة من الفئات المحتكرة لتلك الأراضي، أو الفئات المضاربة فقط عليها بيعا وشراء، لم يتحصل أي من اقتصادنا أو مجتمعنا على حد سواء من أرباح احتكارها أو المضاربة عليها إلا على الغلاء والتضخم والضغوط المعيشية المرهقة. من هنا، يمكن الوصول دون أي تعقيدات أو جدال عقيم إلى السعر العادل للأراضي والعقار، وأنه مرتبط بالدرجة الأولى بالنشاط الاقتصادي وقدرة دخل الأفراد، لا بأي من التشوهات والاختلالات التي تمت الإشارة إلى أهم أشكالها أعلاه. إنه من المعلوم في الأدبيات الاقتصادية أن سعر السلعة أو الخدمة أو المنتج أو الأصل وكل ما يتم تقييمه بالنقد، إن تعرضت قوى العرض والطلب عليه للاختلال أو عدم التوازن! فإن ذلك سينعكس فورا على السعر، سواء بالارتفاع أو الانخفاض، ومن ثم فلا يعد ذلك السعر عادلا بأي حال من الأحوال، كونه لم يأت ترجمة مستقلة لقوى العرض والطلب، المتعارف على القبول بها من لدن البائع والمشتري! بل كان نتيجة لمحددات أخرى لا تمت بأي صلة لتلك القوتين (العرض والطلب). لقد اتفقت كل الشرائع والقوانين والنظم القديم منها والحديث على تحريم وتجريم أي محددات للسعر خلاف القوى المستقلة للعرض والطلب، واعتبرت أي تلاعب أو تدخل أو تحكم فيها؛ جريمة تقتضي إيقاع العقوبة على مرتكبها! من الأمثلة الشائعة على ذلك: الاحتكار، الإغراق، التغرير، الغش، التزوير، الاستفادة حصرا من معلومات داخلية دون الآخرين، إلى آخر تلك الجرائم والمخالفات الشائعة في عرف الأسواق. لهذا انصب تركيز مشرعي الأنظمة والقوانين، والقائمين على تنفيذها، وحتى لدى راسمي السياسات والبرامج في هذا الشأن، على أهمية حماية بيئة جميع الأسواق من أي اختلال أو اختراق قد يؤثر دون وجه حق في قوى العرض والطلب، والعمل على ضمانِ انتقال الملكية بين البائعين والمشترين في بيئة عادلة نزيهة تماما، لا يحكمها إلا تلك القوتان، دون النظر إلى التغيرات الطارئة على الأسعار ارتفاعا أو انخفاضا، ما دامت تحددت وفقا للقوى المستقلة للعرض والطلب. اعتبر نظام التسجيل العيني للعقار الوحدة العقارية أنها: (كل قطعة من الأرض بما عليها من بناء وغراس وغير ذلك، سواء كملكية خاصة أو عامة)، ويشهد النظام في المرحلة الراهنة تغيرات عميقة جدا، كردة فعل جاءت متأخرة كثيرا، تستهدف معالجة وإصلاح الاختلالات الخطيرة التي انحرفت في السوق عن مسارها المفترض انسجامه مع الاقتصاد الكلي، لا أن يتحول إلى معول هدم لمقدرات الاقتصاد والمجتمع. لا بد من أن تكون مستقلا قدر الإمكان (عدم تضارب المصالح)، فلا تأخذ فقط برأي الملاك والبائعين الذين قد يرونه عادلا، بل يرغبون في ارتفاعه أكثر! ولا برأي المشترين فقط لأن وجهة نظرهم ستكون مخالفة تماما، ولا حتى بمن احترف مهنة (التثمين العقاري) كطرف يزعم استقلاليته، وهي المهنة التي تعاني قصورا كبيرا في معايير الرقابة عليها، وفحص مؤهلات العاملين فيها، لدرجة يمكن القول معها أحيانا أمام نتائج تقييماتهم السنوية للعقارات إنها مجرد (تخمين) لا (تثمين)، وللحديث بقية. والله ولي التوفيق.
إنشرها