Author

هكذا هم .. في رمضان

|
في كندا قبل حلول شهر رمضان المبارك من كل عام، تفرد محال التجزئة أمكنة مخصصة للمسلمين .. تحرص فيها على تأمين التمور، واللحوم المذكاة على حسب الشريعة الإسلامية، وتجعل كل هذه الأطعمة بسعر مدعوم من هذه المراكز ومخفض، ليستطيع الفقراء من مسلمي كندا القيام بعبادة الصوم بتكلفة منخفضة جدا عليهم! في كثير من الأماكن .. ترفع التهنئة برمضان، وبالخط العربي، وبالرسم العثماني، وتعديل ساعات العمل في كثير من القطاع الخاص العائد للتجار الكنديين الذين ينعتهم البعض على سبيل التحقير .. بالكفار! ولكن صدق الله العظيم حين قال " ... ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذالك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون" (82) المائدة. وأما في كثير من أسواق المسلمين .. قبل حلول شهر رمضان تنفر الأسعار من عقالها، وتتضاعف بعشرة أضعافها، في سوق الخضار، واللحوم، ويخرج التجار المرذول، والخسيس والمغشوش! ودائما يعد شهر الله هو المناسبة الأفضل .. والسعيدة للتجار لمضاعفة أرباحهم، والتركيز على إعلانات زيادة الاستهلاك، والإغراء بشراء المزيد من الأطعمة .. والإيغال في الاستهلاك لكل شيء.. ثم إهلاك كل شيء .. حيث تتضاعف النفايات للأطعمة الصالحة .. بخمسة أضعاف .. مما كانت عليه قبل شهر رمضان المبارك! وبقراءة الصورتين.. والوقوف عندهما، تجد أن التكافل الاجتماعي هناك أفضل، وأن تجارهم أفضل من كثير من تجارنا، وأن تقديرهم .. لهذه العبادة الروحية أكمل من تقديرنا في مظاهر الحياة الإعلامية .. وأن هذا الشهر لا ينطوي على فرص جشعة، واستغلال بغيض، وغش خسيس! كما هو الحال عندنا، فحتى بائع الخضار الفقير يحرص على أن يبيع بضاعته بعشرة أضعافها في أول رمضان! استثمارا للمناسبة .. وقبضا على الفرصة الحاضرة! القيمة الأخلاقية المفترضة.. التي يستحضرها شهر الله، بأحكامه، وآدابه، وفروضه، ومعانيه .. لا يقبض المسلمون على غير الصوم وصلوات النوافل فيه .. ويظل كثير من فرائض العطاء، والإيثار على النفس، والتسامي على الأنانية، والحس بالفقير والقرب منه، ومن قسوة الحرمان الذي يكابده العام كله، هذا التفاخر بعدد محدود من العلب المعدنية، والزيت والسكر التي يغرق بها بيوت المحرومين والعاجزين في كل عام .. ليست هي غاية رمضان، وليست هي أمله فيما يكونه في وعينا، وما يقودنا إليه .. وما يجعلنا نشعر به. وما يوقظه من الرأفة والرحمة والشفقة للفقراء والمساكين .. منا .. وفينا .. وحولنا. الذي أجده أن فريضة الصوم في غير بلاد المسلمين أرحم عليهم من الصيام في بلدانهم .. حيث يأتي بقيمة التكافل الاجتماعي كقيمة أخلاقية سامية، وإنسانية رفيعة، ومتعالية .. وتبقى الحياة دون تركيز إعلامي يستولي على الصورة والحس .. تستغرق العقل والنفس والقلب في الاستهلاك والتسلية والاستعراض المبتذل. إن صلاة النوافل فيه التي تشعرنا أن كل فرائض الصوم ومعانيه تتحقق بها مع قليل من الطحين والزيت والسكر .. نتركها على أبواب الفقراء الذين سنعود للأحياء منهم في رمضان قادم! ليست كافية أبدا لأننا نخرج من رمضان دون تغير في سلوك حياتنا. فهل أصبح رمضان عند الكفار .. أرحم..؟! هذا ما يظهر لي! فحتى رمضان هرب إلى عدالة اجتماعية أكثر نضجا، تستوعب الصائمين، وتترفق بهم، وتتركهم لربهم وقرآنهم وصلواتهم، دون تحفيز غرائزي، ولا إغراء بإهلاك مجنون، في جشع خسيس!!
إنشرها