مخالفات المكاتب الهندسية تستوجب الجزاء
|
خلال الأعوام الخمسة الماضية وفي مدينة جدة فقط تم إيقاف 119 مكتبا هندسية بسبب المخالفات وذلك من أصل 228 مكتبا مصرحا لها بالعمل ولأن الرقم هنا كبير جدا مقارنة بعدد المكاتب العاملة فإن تلك المخالفات التي أدت إلى عقوبة الإيقاف خطيرة جدا بالنظر إلى الأثر الكبير لتلك المخالفات وانعكاساتها على سلامة المباني والساكنين فيها وخصوصا تلك المباني التجارية التي تخلو من الجودة في مواد البناء وعملية التشييد والتصميم المعماري الآمن كحد أدنى.
هناك مبان جديدة تعاني تصدعا في الجدران وهبوطا في الأرضيات وتشققات في الأسقف لا يوجد لها مبرر سوى تلك المخالفات والشهادات غير الصحيحة التي حملها من يدعون الانتماء إلى علم الهندسة، ومن تحملوا مسؤولية الإشراف على تنفيذ تلك المباني التي تعاني الآن خللا يهدد حياة ساكني تلك المباني في أرواحهم وممتلكاتهم، وهو خطر جسيم يجب الحذر منه حفاظا على الأرواح والممتلكات، وهذا ما تضمنه تصريح رسمي لأحد مسؤولي هيئة المهندسين السعوديين التي أخذت على عاتقها فحص الشهادات وتحديد الصحيحة منها من غير الصحيحة.
لقد كانت مبادرة قانونية تجاه طريقة التعامل مع من يثبت عمله بشهادة مزورة، فهيئة المهندسين تعتزم إصدار "قائمة سوداء" تضم المهندسين المزورين من السعوديين والأجانب ومنعهم نهائيا من مزاولة المهنة، بينما الهيئة السعودية للمحاسبين تعمل على رفع اسم من ثبت تقديمه شهادات مزورة إلى هيئة التحقيق والادعاء العام، وهيئة التخصصات الطبية ليست لها طريقة معلنة للتعامل مع مثل هذه الحالات. وهنا تظهر الحاجة إلى توحيد الجهود بشكل قانوني ونظامي يضمن الحق العام، ويضمن تنفيذ العقوبة الرادعة بهذا الشأن.
ويأتي دور وزارة الداخلية في وقته تماما ليسد ثغرة نظامية وإجرائية كان يجد فيها مزورو الشهادات فرصة للمرور والتلاعب والهرب من المسؤولية أو العودة مرة أخرى بشهادة مختلفة. فالوضع الآن مكتمل الأركان، فعلى الهيئات في مختلف التخصصات القيام بجهدهم في تقييم الشهادات وتطوير أساليب وطرق التحقق من مصداقيتها وصلاحيتها، ثم من يثبت عليه التورط في مثل هذا السلوك الشائن يتم تحويل ملفه إلى وزارة الداخلية التي تقوم باتخاذ ما يلزم تجاه معاقبته على ذلك وإبعاده ـــ إذا كان أجنبيا ــــ وضمان عدم عودته إلى البلاد بأي صورة أخرى. ولاستكمال الدائرة فنحن الآن في حاجة إلى أن تبذل الجهات المعنية في كل مهنة جهودها في التحقق من الشهادات، ومن المهم أن تعمل جميع الهيئات المهنية في ذلك، وإذا كانت هناك مهن بلا هيئة خاصة أو جمعية مهنية فيجب الإسراع بإنشائها.
وهناك دور مهم جدا لبعض رجال الأعمال وخصوصا بعض العقاريين الذين أسهموا بجشعهم في توظيف أصحاب الشهادات الهندسية المزورة لأنهم يستجيبون لأعمال التنفيذ الرديئة دون غيرهم من المتخصصين في الهندسة المعمارية والإنشائية، وهو دور رئيس في تقديم أعمال رديئة لا تتسم بالجودة المطلوبة، ويمكن للمتضررين رفع دعاوى تعويض على أصحاب تلك المشاريع أمام القضاء العام، علما أن مهمة الهيئة السعودية للمهندسين تقديم الرأي الفني والخبرة الهندسية لواقع تلك المباني.
لقد صدر نظام الهيئة السعودية للمهندسين في عام 1423هـ، وهي هيئة مهنية علمية، تهدف إلى النهوض بمهنة الهندسة وكل ما من شأنه تطوير ورفع مستوى هذه المهنة والعاملين فيها، ومن مهامها وضع أسس ومعايير مزاولة المهنة وتطويرها، بما في ذلك شروط الترخيص ووضع القواعد والامتحانات اللازمة للحصول على الدرجات المهنية، وإعداد الدراسات والأبحاث وتنظيم الدورات وإقامة الندوات والمؤتمرات ذات العلاقة بالمهنة، وتقديم المشورة الفنية في مجال اختصاصها وفقا للضوابط التي يقرها مجلس إدارة الهيئة.