Author

الاستثمار في قادة المستقبل

|
«انتشار عدم المساواة سببه النفوذ وليس التعليم» الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل، بول كروجمان في ظل امتلاك 1 في المائة فقط من البشر ما يقرب نصف ثروات العالم، ليس من المستغرب أن تكون قضية عدم مساواة الدخل من أبرز المواضيع على جدول أعمال المعنيين بالتنمية الدولية. يعتبر التعليم العالي بلا شك، الدافع الأساس للحراك الاجتماعي والنمو الاقتصادي، بسبب قدرته على تحسين فرص العمل ومستويات المعيشة للأفراد، وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات المحرومة. ومع ذلك، فإن الفجوة في القدرة على تحمل تكاليف التعليم العالي لا يمكن التغلب عليها بالنسبة لغالبية سكان العالم. ويصبح الوضع أكثر وضوحا عندما يتعلق الأمر بأهم وأبرز الجامعات حيث إن نسبة تمثيل الطلاب القادمين من دول ذات دخل منخفض في هذه الجامعات ضئيلة جدا. يتزايد الإدراك بمزايا الالتحاق بالجامعات المرموقة، فهي لا توفر تعليما جيدا فقط، ولكنها فرصة للاحتكاك بأشخاص من أصحاب النفوذ، وشبكات النخبة التي قد تكون مفيدة للطلاب وبلدانهم. على سبيل المثال، جميع الأشخاص الممثلين لدول ذات دخل منخفض في المنتدى الاقتصادي العالمي لمجالس الأجندة العالمية التي تعتبر مهمة من الناحية السياسية، قد أكملوا دراستهم في إحدى الجامعات الأجنبية المرموقة "تشكل هذه الدول أقل من 2.5 في المائة من إجمالي عضوية مجالس الأجندة العالمية على الرغم من أنهم يمثلون 12.5 في المائة من سكان العالم، وهذا دليل آخر على عدم توازن القوة الموجود حول العالم". وبالفعل صعوبة الوصول إلى أجواء النخبة يساهم في الاستمرار في تهميش بلدان مستبعدة حاليا عن الساحة العالمية اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا. نساهم عن طريق دعم مواطني الدول ذات الدخل المنخفض على الالتحاق بإحدى الجامعات المرموقة، من توسيع شبكة معارفهم، ورفع احتمالية مشاركتهم في مثل هذه النقاشات مستقبلا. بينما يسعى عديد من الجامعات المرموقة في بلدان العالم الأول إلى توفير الدعم المالي للمتقدمين من المجتمعات المحرومة، إلا أن غالبية جهودها لا تتجاوز حدودها الجغرافية. وبالتالي، فإن طلاب بلدان ذات دخل منخفض، مثل سيراليون، حيث تكلفة سنة دراسية واحدة في جامعة هارفارد تعادل 100 سنة من العمل لأصحاب الدخل المتوسط، فإن فكرة الالتحاق بمثل هذه الجامعات غير واردة. المطلوب هو آلية تمويل، وهو الأمر الذي قادته شركات القطاع الخاص كجزء من أنشطة المسؤولية الاجتماعية للشركات، لتوفير عدد أكبر من الفرص لطلاب البلدان ذات الدخل المنخفض، للتسجيل في أفضل جامعات العالم وتشجيعهم على العودة إلى بلدانهم الأصلية بعد استكمال دراستهم. في تقريرنا القادم عن الاستثمار في القادة المستقبليين والذي قمنا بإعداده لمصلحة (كريديت سويس): كيف يمكن أن يؤثر الاستثمار في الأفراد في تمكين المواهب الأقل حظا من الوصول إلى أفضل جامعات العالم، وجدنا أن "نماذج للاستثمار في الأفراد" تأتي من بين أكثر نماذج التمويل ابتكارا التي ظهرت في الآونة الأخيرة، وهي نماذج واعدة من ناحية الحصول على التمويل الذي يمكن الطلاب المحرومين من الالتحاق بجامعات مرموقة، فهي تقدم مساعدة مالية واجتماعية في الوقت ذاته. في حين أحرز هذا النوع من الاستثمار تقدما في عديد من المجالات الملحة اجتماعيا، إلا أنه لا يزال حديثا في قطاع التعليم. في حين يبدو أن الجزء الأكبر من الأموال المخصصة للاستثمار في الأفراد في مجال التعليم يركز على مرحلة التعليم الأساسي وبناء وتطوير البنية التحتية للمدارس ــــ وهي مجالات يسهل قياس مستوى الإنجاز فيها ـــ ظهر عدد من الكيانات التي تهدف إلى مساعدة الطلاب المحرومين من الحصول على تعليم عال جيد. فهناك الاستثمارات المبتكرة في الأفراد للموقع الكيني للقروض الصغيرة (كي آي في أيه) بالشراكة مع جامعة نيروبي ستراثمور، الذي قدم للطلاب الكينيين المنحدرين من طبقة فقيرة والحاصلين على درجات علمية عالية، فرصة الحصول على قروض طلابية منخفضة الفائدة، تغطي الرسوم الدراسية كاملة أو جزءا منها، والأجهزة أيضا مثل الكمبيوتر المحمول. ومنذ بداية البرنامج في يناير 2012، تم منح 65 قرضا بقيمة أكثر من نصف مليون دولار أمريكي، تغطي أغلبها الرسوم الدراسية بشكل كامل. وكمثال آخر في كينيا، هناك مؤسسة "إيكويتي جروب"، التي تدير برنامج "إيكويتي آفريكان ليدرز"، حيث تكفلت بدفع التكاليف الجامعية للطلاب الذين حصلوا على أعلى معدلات. والتي وفرت منذ إنشائها في عام 1998 أكثر من 1500 منحة دراسية كما تكفلت بإرسال 200 طالب كيني للدراسة في الخارج في بعض أفضل الجامعات في العالم. قدمت "برودجي" للتمويل، وهي مبادرة أنشأها ثلاثة من خريجين كلية إنسياد حاصلين على ماجستير في إدارة الأعمال، قروضا لمساعدة طلاب الدراسات العليا حول العالم على الالتحاق بأهم كليات الإدارة. نموذجها أقرب ما يكون إلى التمويل التقليدي، حيث يتم تقييم قدرة صاحب الطلب على تسديد القرض بناء على مكاسبه المحتملة مستقبلا. وتم تحويل القروض إلى سندات وطرحت على المستثمرين بعوائد مالية تنافسية إلى جانب أثرها الاجتماعي. ساعدت شراكة "برودجي" مع "كريديت سويس" أكثر من 500 طالب موهوب من أكثر من 70 بلدا على الالتحاق ببعض أفضل الجامعات في العالم. باستخدام نموذج مختلف قليلا، فإن معدلات الفائدة لـ "برازيل آيدل إنفيست" ــــ وهي مؤسسة غير مصرفية متخصصة في تقديم القروض والدعم الجزئي من قبل الجامعات الشريكة، ساعدها على تقديم عوائد مرتفعة للمستثمرين ودعم الشركة للتوسع في أكثر من 200 جامعة. حيث تم منح أكثر من 40 ألف قرض منذ عام 2006. في حين أن معظم نماذج الاستثمار في الأفراد في مجال التعليم العالي تتطلب من مقدم الطلب سداد مبلغ القرض مضافا إليه الفائدة، فإن شركة "لومني" لديها نموذج مبتكر لتوفير عوائد للمستثمرين. فبعد تقييم العائدات المحتملة للطلاب، يعرض على مقدم الطلب اتفاقية يلتزم بموجبها بدفع نسبة مئوية معينة من دخله لفترة معينة بعد التخرج. أسهمت "لومني" حتى يومنا هذا في تمويل أكثر من ثلاثة آلاف طالب في أنحاء الأمريكتين. بعض الأفكار الجديدة الأخرى التي يجري تطويرها حاليا والتي يمكن أن تقدم للمستثمرين فرصة لـ "فعل الخير والقيام بعمل جيد" في قطاع التعليم العالي، تشمل صكوك التعليم العالي بالاعتماد على الصكوك الخضراء التي تصدرها مؤسسات متعددة مثل البنك الدولي أو الشركات المتعددة الجنسيات. في حين أن مثل هذه المشاريع تنطوي على بعض المخاطر، فإن الصكوك الخضراء عادة ما تحصل على تصنيف قوي. لأن السداد مغطى بشكل مباشر من قبل شركات متعددة الأطراف أو متعددة الجنسيات. وهناك إمكانية لبرامج القروض التي تقدمها الشركات التابعة للمصارف من خلال المصارف الرئيسة الموثوقة في المنطقة المستهدفة، من الاستفادة من علاماتها التجارية القوية لدعم برامج القروض التنافسية المخصصة للطلاب من المجتمعات ذات الدخل المنخفض. يمكن للحكومات أن تساعد على تحفيز الاستثمار في الأفراد الذي يستهدف الطلاب القادمين من خلفيات فقيرة، وذلك من خلال منحهم إعفاءات ضريبية بشكل جزئي، أو عن طريق شراكات مبتكرة بين القطاعين العام والخاص. كما يتوجب على مؤسسات التعليم العالي أن تلعب دورا حيويا أيضا، من خلال بناء علاقات عمل وثيقة مع الشركاء الماليين للمؤسسة.
إنشرها