Author

التنبؤ الاستراتيجي .. و«رؤية 2030»

|
أقرت المملكة رؤية طموحة لعام 2030، وبأهداف تسعى للوصول إلى عدم الاعتماد على النفط، وتحفيز البدائل الاستراتيجية للدولة، وكذلك تنمية قطاعات الدولة المختلفة. وللتفكير في تنفيذ الخطط المنبعثة من «الرؤية»، تتبادر إلى ذهننا الخيارات المستقبلية، والوسائل التي سيتم استخدامها، والطرق التي سيتم سلكها لتنفيذ الغايات والأهداف، وكذلك عامل الزمن وتأثيره كذلك المتوالي في تلك «الرؤية». تعتبر «رؤية الاستراتيجية» حجر الزاوية للسياسة الناجحة والاستراتيجية الناجحة، ويأتي كذلك التقويم الاستراتيجي الذي يضع تعاريف دقيقة للمصالح ومستويات أهميتها وتمييز العوامل الاستراتيجية الرئيسة لصياغة الاستراتيجية. إن الهدف النهائي لجميع الاستراتيجيات هو إحداث تأثيرات محددة في البيئة الاستراتيجية، حيث تساهم هذه التأثيرات في خدمة وتحقيق مصالح الدولة، وتقوم الدولة بتوجيه جميع الأدوات لسلوك طرق في حد ذاتها للوصول إلى الغايات المطلوبة وتدرس الاحتمالات المستقبلية المتوقعة لتحقيق الازدهار. علاوة على دور العقلية الاستراتيجية، وبناء العقل الاستراتيجي الذي سيعمل على تنفيذ أهداف «الرؤية»، وكيف يمكن بناء تلك العقول لتفكر بشكل خلاّق، وشامل، ومحدد للأولويات، وقادر على قيادة المشاريع في الميدان، وقادر كذلك على التنبؤ بالإشكاليات المستقبلية والتمكن من بحث الخيارات والبدائل المستقبلية، في عالم يسوده التعقيد والتركيب، واللايقين فيما يتعلق بالمستقبل وكذلك في سياق غالبا ما يساء فيه فهم الاستراتيجية وتفسيرها، نظرا للتحديات المعقدة التي تواجه المجتمعات بأكملها. يستلزم تحقيق تلك «الرؤية» التفكير في المنظومات، لا سيما المستقبل وكذلك العقلية الاستراتيجية وبناؤها وتمكينها من المعارف والمهارات والسلوك التي من شأنها رفع القدرات والإمكانات، للوصول إلى أعلى مستوى، حيث يعتبر الميدان بحسب مجال الاستراتيجية ونوعها هو التحدي الحقيقي لتحقيق مخرجات تقييم نجاح الاستراتيجية. التنبؤ الاستراتيجي هو فرع من الدراسات المستقبلية ويتقاطع مع الاستراتيجية وهي خطة عالية المستوى لتحقيق أهداف واحدة أو أكثر في ظل ظروف عدم اليقين. وهنالك عدد من المنهجيات منها الكمية، التي تستخدم المعادلات الرياضية الإحصائية مثل المد البياني الاستقرائي وغيرها من المعادلات الإحصائية، أو النوعية، مثل عجلة المستقبل أو منهجية تحليل أثر الاتجاه، أو السيناريوهات. وقد يستخدم كذلك الحدس الشخصي، لا سيما للعقل المتخصص الذي تحدث عنه العالم هوارد جاردنر في كتاب العقول الخمسة القادرة على قيادة المستقبل. ونحاول طرح سؤالا هنا: لماذا تزداد أهمية التنبؤ الاستراتيجي في المنظمات بصفة عامة؟ إن التجارب الدولية، التي سعت وسبقت في هذا المجال قد أقرت مثل تلك المناهج خلال عملها الاستراتيجي، ولكن لماذا على الرغم من اللايقين وإن كثيرا من التوقعات والتنبؤات لم تكن صائبة استمرت الدول بدعم هذه الدراسات. وللإجابة عن هذا التساؤل يمكن القول: إن مسألة الإعداد والاستعداد للمستقبل مسألة مهمة جدا، فوجود عدد من السيناريوهات مثلا عن أحداث متعلقة بصناعة معينة أو جانب أمني أو تنموي، ستساعد متخذ القرار على سهولة التوصل إلى البدائل الاستراتيجية المطروحة في تلك الدراسات من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن تطور الأدوات والمنهجيات الاستراتيجية، ما فتئ يقلص من مرحلة اللايقين، فيصنع المستقل بدل أن تتم صناعته وأن نكون مستعدين ونعمل لنرى لا ننتظر ثم نرى. وهناك أنماط من الأحداث قابلة للتنبؤ وأخرى مرجحة وأحداث أخرى ممكنة الحدوث، وأخرى معقولة، وهنالك بعضها مجهولة، والقرار الذي يقوم به الاستراتيجي للتصرف على أساسه أو العمل في حقله، أمر بالغ الأهمية، لأن كل شيء ينبع منه وترتكز صياغة الاستراتيجية الجيدة على عملية التقويم الاستراتيجي، ثم بعد ذلك على الانتقاء الصحيح واستخدام العوامل الاستراتيجية الأساسية لوضع الحسابات الصحيحة للغايات (الأهداف) والطرائق والوسائل للموقف الاستراتيجي. وكما يشير هوج دو جوفينيل عالم المستقبليات عن لمحة مهمة تتعلق بالتوقف عند مفهوم "المشروع" الذي يكتب باللغة الفرنسية projet وتلك المفردة ذات الأصل اللاتيني pro – jeter وتعني "الرمي إلى الأمام" ـــ في زمن قادم، لصورة لمستقبل مرغوب فيه، ويستعير في جوهره من سجل القيم، إن لم نقل جزءا من حلم، حتى لو كان بعضه، حيث يشكل قوة ناقلة حقيقية للفعل الإنساني ويؤدي أو على الأقل ينبغي أن يؤدي، دور الخيط الرابط لقرارات البشر والفئات الاجتماعية وأفعالهم ويضمن لها إلى حد ما المعنى و الاتساق. وبالله التوفيق.
إنشرها