Author

وزارة الإسكان .. وتشجيع ثقافة الادخار

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية
ثقافة الادخار هي إحدى المهارات المهمة التي ينبغي أن يمتلكها عائل الأسرة، وقد كان هذا الأمر معروفا وشائعا لدى أفراد المجتمع في فترات الحاجة والفقر قبل أن يمن الله على هذه البلاد بوفرة في الموارد مع الأمن والاستقرار الذي عزز من فرص العيش في ظروف أكثر استقرارا ورفاهية من الفترة التي عاشها أجدادنا، والتوسط في الإنفاق هو أحد الأمور التي حث عليها الشارع الحكيم حين قال المولى جل وعلا “ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا” “الإسراء:29” وهذا منهج قرآني يشجع على أن يتوسط المرء في إنفاقه حيث لا يكون بخيلا ولا مسرفا. وفي الأثر الذي يورده الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: جاءني رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي، فقلت يا رسول الله قد بلغ بي من الوجع ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي أفأتصدق بثلثي مالي، قال رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ــــ لا، فقلت فالشطر، قال لا، ثم قال رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ــــ الثلث والثلث كثير، إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت حتى ما تجعل في امرأتك” والحديث متفق عليه أي رواه البخاري ومسلم. والملاحظ هنا رغم أن الإسلام يشجع على الصدقة في وجوه الخير إلا إنه أيضا اهتم بمسألة الادخار، حيث يهتم عائل الأسرة باحتياجات أسرته، وما ينفقه على أسرته أو يدخره لها لتوفير احتياجاتها يؤجر عليه خصوصا إذا ما علمنا أن الشريعة تؤكد أن الأقربين أولى بالمعروف. هذه المقدمة تؤكد مسألة مهمة في سلوك وحياة الفرد وهي أن يهتم بتوفير احتياج أسرته، وأن يحرص على أن يوفر لهم حياة كريمة تناسب ظروف معيشة مجتمعه. فبعد برامج ودعم حكومي كبير لتسهيل تملك المواطنين للمساكن وجدت وزارة الإسكان وكثير من المختصين في هذا المجال أن أحد أهم العوائق التي تحول دون تملك المواطن للسكن هو عدم تمكنه من توفير مبلغ مالي ليكون دفعة أولى لشراء العقار، خصوصا مع ارتفاع تكلفة السكن حاليا وأن الدفعة الأولى تتطلب توفير 30 في المائة من قيمة العقار إذا كان الشخص يريد شراء العقار بتمويل عن طريق المصارف، و15 في المائة إذا كان التمويل من خلال شركات التمويل العقاري. فلو افترضنا أن قيمة العقار تساوي مليون ونصف المليون ريال فيلزمه أن يوفر مبلغ 450 ألف ريال إذا تقدم بطلب التمويل من خلال المصارف، أما إذا كان من خلال شركات التمويل العقاري فلا بد أن يوفر ما لا يقل عن 225 ألف ريال، وفي ظل مبالغة البعض في الإنفاق أدى ذلك إلى أن ما يقارب 90 في المائة من موظفي القطاع الحكومي لديهم قروض شخصية وهنا نجد أنه من الصعب توفير مبلغ الدفعة الأولى لشراء السكن، ولذلك كان من المهم زيادة مستوى الوعي بموضوع الادخار. لكن زيادة مستوى الوعي بالادخار مهمة تحتاج إلى جهات تعليمية وتثقيفية في الدرجة الأولى والتزام وزارة الإسكان بهذه المهمة لن يحقق المطلوب إلا بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة مثل وزارة التعليم ومؤسسة النقد وهيئة سوق المال لتحقيق مفهوم شامل للادخار لدى المواطن، حيث إن الادخار بتخصيص مبلغ مالي من دخل الفرد لا يكفي في تحقيق الهدف، والادخار ليس فقط لتوفير مبلغ مالي للسكن ومن ثم يعود الفرد إلى الإسراف وتحمل أعباء مالية أكبر من إمكاناته. ولذلك من المهم العناية بأمور ثلاثة لتشجيع ثقافة تكوين ثروة للفرد تقوم على الحرص على توسيع فرص الكسب لدى الفرد ومن ثم تخصيص جزء من الدخل لادخاره وبعد ذلك استثماره، حيث إن الفرد لو تمكن من توفير ألفي ريال لمدة عشر سنوات لن تحقق له المطلوب، ولكن بالنظر إلى قصص كثير من الأفراد الذين حققوا وفرة مالية نجد أنهم استثمروا هذه الأموال في الأسهم أو العقار رغم محدودية الوعي حينها وقلة الفرص الاستثمارية مقارنة بواقع الحال اليوم، ولذلك كم حجم الثروة التي تحققت لشخص اشترى أرضا قبل 20 عاما أو استثمر هذا المال في أسهم شركات مثل “سابك” أو بنك الراجحي أو شركات الأسمنت وغيرها من الأسهم الجيدة في السوق، مع الأخذ في الاعتبار العوائد السنوية التي يمكن أن يعيد استثمارها، ومع تنوع الاستثمارات وزيادة الوعي لدى الأفراد اليوم سنجد أن الخيارات ستكون أكثر وضوحا. الخلاصة أن جهود وزارة الإسكان في نشر ثقافة الادخار جيدة وتشكر عليها ولكن المفهوم هو أكثر شمولية من أن يتمكن الفرد فقط من توفير قيمة الدفعة الأولى، إذ إن الادخار مسؤولية على عاتق رب الأسرة، وينبغي أن يحققه من خلال أبعاد ثلاثة وهي السعي لزيادة الدخل، والاحتفاظ بجزء جيد من الدخل، ومن ثم استثماره في قنوات استثمارية معتدلة المخاطر.
إنشرها