Author

«رؤية 2030» .. وأزمتا البطالة والإسكان

|
تحدد "رؤية 2030" عددا كبيرا من الأهداف، ابتداء مما هو على المستوى الوطني والدولي أو نزولا إلى المستوى الفردي، من الاستثمار المحقق للتنويع والاستفادة من الموقع الجغرافي إلى الترفيه والصحة. «الرؤية» بلا شك تمثل تحولا وطنيا مطلوبا من الاعتماد الريعي على بيع موارد الوطن الناضبة إلى التوجه للإنتاجية القابلة للاستدامة على مستوى الفرد ومؤسسات القطاع العام والقطاع الخاص، وتضافر الجهود فيما بين الجهات الثلاث لتوليد زخم تنموي يعتمد على موارد مستدامة، مثل المورد البشري والموقع الجغرافي والطاقة المتجددة وكفاءة التنسيق فيما بين عناصر ومؤسسات الإنتاج الاقتصادي والاجتماعي. ولكن مع ذلك يبقى في ذهن المواطن الفرد، وبالذات الشاب، ما يشغله على المستوى اليومي من حيث الحصول على وظيفة وعلى مسكن معقول في المدى المنظور. و«الرؤية» كشفت بشكل جلي عن هدف خفض نسبة البطالة من 11 إلى 7 في المائة، ورفع نسبة تملك المنازل من 47 إلى 52 في المائة بحلول عام 2030. وقد فصلت وثيقة «الرؤية» بعض العناصر والآليات والقطاعات التي تعتمد عليها في تحقيق الأهداف. ومع ذلك فهناك بعدان أساسيان لتحقيق أداء اقتصادي واجتماعي مستدام لم يتم التطرق إليهما بتفصيل كاف، في رأيي، يقابل أهميتهما لتحقيق منظومة الأهداف المفصلة في «الرؤية»، الأول هو حماية البيئة في إطار التزامات وتعهدات المملكة فيما يخص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وغيرها من الملوثات بحلول عام 2030 المقدمة إلى قمة التغير المناخي الأخيرة المنعقدة في باريس، والثاني هو أهمية التركيز على البحث والتطوير عموما وفي مجالي الإسكان وبطالة الشباب خصوصا. إن الطلب الحالي للوحدات السكنية يفوق 1.5 مليون وحدة، وقد يصل إلى أربعة إلى ستة ملايين وحدة بحلول عام 2030، إذا ما استمر النمو في الطلب على الوتيرة الحالية نفسها، وهو ما يعني ضعف عدد الوحدات السكنية الحالية. ينطوي على هذا النمو في الوحدات السكنية زيادة كبيرة في استهلاك الكهرباء والمياه والبنزين، ما يعني زيادة كبيرة في الانبعاثات من ثاني أكسيد الكربون. إن معدل حصة إنتاج الفرد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ومعدل استهلاكه للكهرباء والمياه في المملكة يقع في مرتبة أعلى 10 في المائة من دول العالم الآن، فما بالنا بعد تضاعف عدد الوحدات السكنية واتساع رقعة المدن؟ ويجب ملاحظة أن قطاع البناء قد يكون من أكثر القطاعات استحداثا للوظائف الجديدة بالمدى المنظور (من المرجح أن يشغل معظمها الأجانب إذا استمررنا في استخدام طرق البناء التقليدية). السؤال المطروح: كيف يمكن مضاعفة الوحدات السكنية دون تحقيق زيادة كبيرة في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون؟، وهل يمكن مقابلة ذلك التحدي بتوظيف الشباب السعودي بشكل مكثف في قطاع البناء بدلا من الأجانب، دون رفع كلفة أو خفض سرعة البناء؟ الجواب لهذين السؤالين يقع في الاستثمار المكثف بالبحث والتطوير في توطين طرق بناء قابلة لتوظيف أعداد كبيرة من السعوديين وتحافظ على استهلاك الموارد (مثل الماء والكهرباء) وتضبط إنتاج الانبعاثات في نطاق تكلفة وسرعة بناء معقولة. وهذا البحث والتطوير يمكن إجراؤه في مراكز وطنية مثل معهد أبحاث جامعة الملك فهد للبترول والمعادن وجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية بجانب بعض المراكز الدولية مثل معهد ستانفورد للأبحاث. وفي رأيي، يمكن إنجاز هذا البحث والتطوير على مراحل بحيث تحدد أساليب البناء وتوليفاتها المعتمدة على الميكنة المتوافرة في المدى القصير، ومن ثم تطوير أساليب جديدة مبتكرة تمكن المملكة من تصدير خدمات وتقنيات بناء المنازل للعالم الثالث في آسيا وإفريقيا والعالم العربي في المديين المتوسط والطويل، كما يجب إشراك القطاع الخاص في تطوير هذه التقنيات وتدريب الشباب السعودي على أساليب البناء الممكن (البناء الآلي داخل المصنع وفي الموقع). إن توظيف توجه من هذا القبيل يبني على العناصر المذكورة في «رؤية 2030» مثل بناء اقتصاد المعرفة، والاعتماد على الجهود المشتركة بين القطاعين العام والخاص والأفراد، والاستثمار المجدي على المديين المتوسط والطويل، إضافة للموقع الجغرافي بين ثلاث قارات من الناحية اللوجستية، عدا تطوير قطاع مهم، من حيث التوظيف، ومكون رئيس في اقتصادنا الحالي بشكل يحول تحديات أزمتين إلى فرص للتنمية المستدامة بيئيا، والتطوير الجاذب لتوظيف الشباب السعودي اقتصاديا، وتكوين مجتمع منتج، اجتماعيا، بعيدا عن الاستهلاك المفرط باتجاه الاستهلاك المستدام. وبالطبع تكمّل مبادرة مثل هذه تطوير الصناعات الأخرى المخطط لها في «الرؤية» مثل التعدين (المواد الخام للبناء)، والطاقة البديلة (الألواح الشمسية في المنازل)، واللوجستيات (لنقل المواد)، وبناء مرافق السياحة، واستخدام منتجات الصناعات البتروكيماوية (مثل البلاستيك والـ PVC). كما يجب ألا يتوقف الاستثمار في البحث التطبيقي والتطوير على البناء بل يتعداه للقطاعات الأخرى مثل الطاقات البديلة والتعدين والصناعات البتروكيماوية واللوجستيات بحجم وكثافة تقابل نديتنا لأكبر 20 اقتصادا وحيث نصبح بلدا ينتج التقنية عوضا عن استهلاكها.
إنشرها